لم يكن رحيل المخرج الفلسطيني السوري مازن السعدي (1981 ــ 2018) يوازي التعقيدات التي اكتنزتها حياته. إذ لم يكلّفه الأمر سوى نزلة برد ووهن عام، راجع على أثره إحدى مستشفيات الإمارات حيث يقيم، فأصرّ الأطباء على ضرورة دخوله المستشفى فوراً لأنّه يعاني من عوارض خطيرة. لكنّه رفض وغادر على مسؤوليته الشخصية، وكأنّه كان على موعد محتمّ مع الموت ولا يريد التأخّر عنه. هكذا، عاد إلى منزله وربما رتّب على طريقة «جدارية» الشاعر الراحل محمود درويش حقيبته وفرشاة أسنانه وماكينة حلاقته والكولونيا، ثم أوى إلى سريره لينام إلى الأبد. بكلّ تلك البساطة، أنهى مشوار 37 عاماً من التعب. أوّلاً لأنّه فلسطيني، و هذا يعني أنّه خلق مع الشتات في يوم واحد، وثانياً لأنّه اختار سوريا وطناً بديلاً فأعدّ له المنفى وجبة دسمة جديدة!. وثالثاً لأنه سلك درب العمل في الوسط الفني صاحب ذاكرة السمكة، والذي يذكر الموتى بمحاسنهم لساعات قليلة لكنّه ينسى الأحياء في محنهم طيلة عمرهم. عمل السعدي مونتيراً وأنجز أعمالاً مهمّة، لكنّه اختار أن يراهن على شركة «كلاكيت» لتمنحه فرصة الانتقال إلى الإخراج. وهو ما حصل فعلاً عندما تولى إدارة مسلسل «الطواريد» (كتابة مازن طه ــ بطولة نسرين طافش وأحمد الأحمد ومحمد حداقي ــ 2016). لكن الأيادي لم تعد تمتد له بعد هذا العمل، وربما أراد أن يكوّن حضوره وشخصيته كمخرج في مكان بعيد عن أجواء غير مهنية، فجرّب انتزاع فرصة لنفسه من الخليج. بالفعل، أخرج مع مجموعة زملاء له مسلسل «أصعب قرار» (تأليف سوفيا دمرجيان)، وهو بمثابة أفلام تلفزيونية منفصلة يجمعها قاسم مشترك، صوّرت في الرياض. في رمضان الماضي، قدّم مسلسل على الانترنت بعنوان «روم ميت» (شريك سكن ــ تأليف أدهم مرشد)، عرضته قناة «آكشن لاين» على يوتيوب يومي الإثنين والخميس طيلة شهر الصوم. العمل كان عبارة عن التقاطات كوميدية ساخرة بناها كلّ من الممثلين السوريين أدهم مرشد وعبد الرحمن قويدر بالاتكاء على قصص حياتية!.العزاء بالمخرج الراحل اقتصر على السوشال ميديا، من دون أن يعرف أحد تفاصيل الجنازة التي أعدّها الأصدقاء، كونه يعيش وحيداً في الإمارات بعدما اطمئن لرحلة لجوء زوجته وأبنائه الثلاثة إلى أوروبا. ربما هو حلم كلّ سوري بأن تصل عائلته إلى بلاد الأحلام، ولا ضير في أيّ نهاية تنتظره!.