عمان | في مساء اليوم الثالث لعيد الأضحى، فُجع الوسط الفني في الأردن برحيل الفنان متعدد المواهب ياسر المصري (1970 ـــ 2018)، الذي تعرّض لحادث سير في مدينة الزرقاء الأردنية بينما كان يقدّم يد المساعدة لأصحاب باص نقل ركاب صغير تولى قيادته وفقد السيطرة عليه، ما أودى بحياته. آلاف الأردنيين والعرب نعوا الفقيد حال تأكيد الخبر المؤسف من قبل نقيب الفنانين الأردنيين حسين الخطيب. من الظلم اختصار مسيرة ياسر المصري بأدواره البدوية فقط، وإن كانت العروض الأفضل التي حصل عليها تبقى في هذا النمط من الأعمال، التي تحتكم لإمكانيات الإنتاج وقوة التحضيرات لها نتيجة الطلب المستمر عليها في سوق الدراما الخليجية. ويبدو هذا مفهوماً بسبب مقومات الشكل والصوت التي تمتع بها الراحل بسمرته العربية ولسانه الذي يتقن اللهجة البدوية، عدا مهارته في إلقاء الشعر وإحساسه العالي بالنصوص. ما جعل نجمه يسطع بسرعة في هذه الأدوار، خصوصاً في أهم أعماله البدوية «نمر بن عدوان» (إنتاج عام 2007 ــ كتابة مصطفى صالح، إخراج بسام المصري). الأخير هو النسخة المحدّثة عن المسلسل القديم (إنتاج 1975 كتابة روكس بن زايد العزيزي ـ إخراج صلاح أبو هنود) الذي يروي قصة الشيخ الشاعر نمر بن عدوان وحبه لزوجته التي فارقت الحياة وأورثته حزناً شديداً ظهر في أشعاره التي نظمها لها.

ثراء موهبة المصري جاءت من تعدد الثقافات والتجارب التي مرّ بها ابتداءً من كونه أحد الأبناء السبعة لعائلة فلسطينية من إحدى قرى رام الله المحتلة. ولد وترعرع ودرس وشبّ في الكويت التي كانت إحدى وجهات الفلسطينيين بعد نكسة الـ 1967. وإثر حرب الخليج بداية التسعينات، غادرت العائلة إلى الأردن لتحطّ الرحال في مدينة الزرقاء. تابع المصري شغفه بالفن، وكان من الأوائل الذين انضموا إلى النواة الأولى لفرقة «الحنونة للفنون الشعبية»، حيث كان من الراقصين ومؤدي الدبكات. وعلى الصعيد الأكاديمي، حصل على بكالوريوس في العلوم الموسيقية من «الأكاديمية الأردنية للموسيقى» (تخصص رئيسي آلة الكلارينيت، فرعي بيانو).
عمل المصري كمدرب للرقصات وممثل مسرحي وممثل تلفزيوني وسينمائي. وما بين هذا الثالوث، يبقى ذلك اللّويح الذي يقود الدبكة برشاقة في سلسلة من الأعمال الفنية الناجحة. وإن كان التلفزيون قد أخذه من المسرح، إلا أن قوته تكمن في قدرته على الإقناع على الخشبة أمام الحضور من خلال ما يربو على 13 مسرحية بدأها بـ «إنت مش إنت» في عام 1994، ليقدم بعدها «كلاكيت»، وتتوالى عروضه السنوية حتى عام 2008 حين شارك في مسرحية «ظلمة الإمبراطور». بعدها، توقف لسنوات قبل أن يعود بشكل متقطع إلى الخشبة وصولاً إلى آخر أعماله «سليمى» (2014).
التلفزيون حجز الراحل في أعمال سنوية تنوعت بين التاريخي والبدوي والمصري والاجتماعي الأردني والسوري والخليجي. هذه المشاركات لم تنقطع منذ بداية عام 2000، إذ أبدع في الأدوار التاريخية مع مسلسلات «ذي قار» (2001 ــ كتابة جمال أبو حمدان ـ إخراج باسل الخطيب)، و«زمان الوصل» (2002 ـــ كتابة جمال أبو حمدان، إخراج عارف الطويل)، و«امرؤ القيس» (2003 ـــ إخراج خلف العنزي)، و«الحجاج» (2003 ــ كتابة جمال أبو حمدان، إخراج محمد عزيزية)، «آخر أيام اليمامة» (2005 ــــ كتابة جمال أبو حمدان ـ إخراج أحمد دعيبس)، «أبو جعفر المنصور» (2008 ـــ كتابة محمد البطوش، إخراج شوقي الماجري)، و«القعقاع بن عمرو التميمي» (2010 ــــ كتابة محمود الجعفوري ــ إخراج المثنى صبح) الذي يحاكي فترة حروب الردة. هذا المسلسل (إنتاج «تلفزيون قطر») أثار ضجة كبيرة، إذ وجد بعضهم أنّه يثير الفتنة الطائفية. استمر الراحل في تقديم هذا النمط من المسلسلات كما في «رايات الحق» (2010 ـ كتابة محمود عبد الكريم ـ إخراج محمد دوايمة)، «ملحمة الحب والرحيل» (2014 ـــ كتابة محمد العبادي ـ إخراج محمد عبد العزيز الطواله) عن حرب البسوس، ليقدم في الموسم الرمضاني الأخير شخصية يحيى البرمكي في مسلسل «هارون الرشيد» (2018 ــ كتابة عثمان جحى ـ إخراج عبد الباري أبو الخير). أبرز أدواره البدوية كانت في بطولة «نمر بن عدوان»، و«عيون عليا» (2008 ــ كتابة مصطفى صالح ـ إخراج حسن أبو شعيرة)، و«العنود» (2009 ـــ كتابة محمد البطوش ـ إﺧﺮاﺝ أحمد دعيبس)، «وعد الغريب» (2016 ــ كتابة مصطفى صالح ـ إخراج حسين دعيبس)، «أخوة الدم» (2014 ــ كتابة مصطفى صالح ـ إخراج حسن أبو شعيرة). وانتقل إلى النجومية على صعيد الوطن العربي، ليقرع باب الدراما المصرية حيث لم يقل أداؤه إبداعاً. بل يمكن القول إنه أتقن اللهجة المصرية أكثر من ممثلين عرب آخرين. شارك في مسلسل «تحت الأرض» (2013 ـ كتابة هشام هلال ـ إخراج حاتم علي)، وفي عام 2014، في مسلسلين هما «دهشة» (كتابة عبد الرحيم كمال ـ إخراج شادي الفخراني) المأخوذ عن مسرحية «الملك لير» لشكسبير، و«أريد رجلاً» (الجزء الثاني) إلى جانب إياد نصار. كما جسّد شخصية جمال عبد الناصر في مسلسل «الجماعة» (الجزء الثاني ـ 2010 ـ تأليف وحيد حامد ـ إخراج شريف البنداري).
تنوعت مشاركاته بين التاريخي والبدوي والمصري والاجتماعي الأردني والسوري والخليجي


خاض المصري أعمالاً تحاكي تجربة الجماعات الإسلامية مثل مسلسل «الطريق الوعر» (2005 ـ كتابة جمال أبو حمدان ـ إخراج شوقي الماجري) باللغة العربية الفصحى، إلى جانب عدد من النجوم السوريين، و«دعاة على أبواب جهنم» ( 2006 ـ تأليف عادل الجابري وياسر قبيلات ـ إخراج رضوان شاهين وإياد الخزوز) الذي شارك في إنتاجه تلفزيون «أبو ظبي» وضم فريق العمل ممثلين سوريين وأردنيين وسعوديين. أما مع المخرج السوري نجدت إسماعيل أنزور، فقد كان الراحل ضمن فريق عمل مسلسل «رجال الحسم» (2009)، حيث لعب دور ضابط موساد في المسلسل الذي يحكي عن نكسة حزيران. من الأعمال الخليجية المشتركة، شارك في مسلسل «الحب في هايدبارك»، «ما أصعب الكلام»، المحتالة، و«شيء من الماضي» في موسم رمضان 2018 حيث تدور الأحداث بين الأردن والخليج. وفي الفن السابع، قدّمه السينمائي المصري خالد يوسف في فيلم «كف القمر» (إنتاج عام 2011) في دور ضاحي، سبقه بسنوات دوره في الفيلم الأردني «الرغبة في السقوط» (2005). ترك رحيل المصري المعروف بدماثة خلقه وشخصيته المتواضعة أثراً بالغاً لدى زملائه الذين نعوه عبر مواقع التواصل الاجتماعي، وتناقل الجمهور العربي خبر رحيله على نطاق واسع. التغريدات والمنشورات والصور من الجمهور كانت لتقديم العزاء لعائلته ولمحبيه. رحيل المصري سيترك فراغاً في الساحة الأردنية على وجه الخصوص، ويلفت النظر إلى الحالة الفنية المتراجعة بسبب الظروف والإمكانات لا سيما مع الوضع الاقتصادي السيئ الذي يعصف بالمملكة منذ سنوات.