لن نأتي بجديد إن قلنا إن الغناء العربي وصل في جزء واسع منه إلى أرذل المستويات، بخاصة إذا كان الحديث عن موجة «الشخلعة» الموسيقية الدراجة، والسمة التجارية الرائجة. مع ذلك، هناك من يصرّ كالقابض على الجمر أن يعتصم عند صيغة جدية، ونوعية طربية لا تنقصها المعاصرة، لكّنها تحترم أذن مستمعها وتشتغل وفق منطق جوهري يرتكز إلى خامة الموهبة الصوتية والموسيقى النظيفة في الدرجة الأولى. ينطبق هذا الكلام على المغنية السورية سهر أبو شرّوف. الصبية الحلبية لمع نجمها في برنامج «أراب آيدول»، لكن شغفها بالموسيقى والغناء ولد منذ سنوات طفولتها كونها إبنة «عاصمة الطرب العربي». فوالدها منشد ديني حلبي، ووالدتها صاحبة خامة مميزة. رغم دراستها الجامعية للقانون وعنايتها بثقافتها، ومواظبتها على القراءة، تركت مساحة شاسعة من حياتها لموهبتها حتى أتتها الفرصة في برنامج مواهب شهير لمع نجمها فيه. كما العادة تُترك مواهب هذه البرامج وحيدة إلى مصيرها المجهول بعد تلميعها واستثمارها لصالح صفقة القنوات التلفزيونية، وفي الغالب يطوي النسيان عدداً كبيراً من هؤلاء النجوم، بالسرعة ذاتها التي تصنع بها. الوضع كان مختلفاً مع سهر لأنها قررت الاجتهاد والشغل بمفردها من دون أن تضع نفسها تحت رحمة شركات الإنتاج التجارية. هكذا، أسست حساباتها على السوشال ميديا، بنيّة أن تستغل الشهرة التي صنعها لها «أراب آيدول» وراحت تنجز أغنيات لطيفة (حوالي 13 أغنية 7 من إنتاجها الخاص) بالمال الذي تجنيه من حفلاتها الخاصة، وكانت تحمّل أعمالها على حساباتها الافتراضية، على أن يكون ريع تلك الأعمال هو اللبنة التي تساعدها على الاستمرار في الإنتاج. أخيراً بدأت أبو شرّوف بطرح «ميني ألبوم» من ثلاث أغنيات بالشراكة مع منتجين مصريين أفراداً وليسوا شركات، وقد حمّلت الأولى على موقع «أنغامي» وقناتها الخاصة على «يوتيوب» عنوانها «إعزمني بجد» (كلمات باسم النحّاس- ألحان محمد بدر وتصوير فوتوغراف أحمد زملوط). لكن العمل ينحو باتجاه النمط الشعبي الأقرب للتجاري. تبرر المغنية ذلك الكلام في حديثها مع «الأخبار» بالقول «لا أعّول كثيراً وفق منطق شخصي، على هذه الأغنية، لكنّها فعلياً بمثابة محاولة لمواكبة الموضة، والوصول لشرائح أوسع من الجمهور بأفضل سوية ممكنة من ناحية الكلام واللحن والأداء، في حين سأطرح أغنيتين الأولى طربية تنشر الخميس المقبل بعنوان «نَفَس راجل» (للكاتب والملّحن ذاتهما والموّزع أحمد منير) يليها عمل رومانسي ثالث بعنوان «خايفة تنساني» (كلمات عبد الحميد الجحدلي وألحان محمد بدر وتوزيع سامح باكو). سهر أبو شرّوف موهبة سورية رصينة تستأهل العناية الإعلامية الدائمة، والتعاطي مع اجتهادها والطريقة التي تنجز فيها أعمالها بأن تكون مثالاً تحتذي به الأصوات الشابة المهتمة بالغناء الموزون.