منذ منتصف القرن الماضي، شهد العالم، واستطراداً لبنان، موجات انتشار عدّة في فترات مختلفة من الزمن، لموسيقى شعوب معيّنة، بشكلها التقليدي. ثم كانت هذه الألوان الغنائية والموسيقية تؤثر أيضاً في موسيقى شعوب أخرى، قبل أن تخفت ويصعد نجم إرث غنائي/ موسيقي لشعوب أخرى، وهكذا دواليك. من اللاتيني بكل أشكاله (الفلامنكو، التانغو، السالسا، السامبا، الرومبا،…) إلى البلقاني والهندي (والباكستاني والأفغاني) والريغي الجمايكي والشعبي المغاربي… «أصواتٌ» من العالم جذبَت شركات التسجيل والإنتاج والتوزيع، ثم الموسيقيين والمهرجانات. في السنوات الأخيرة، هناك شعور عام بركود نسبي لهذه الموجات، لكن ثمة حدّ أدنى من الجاذبية تبقى تتمتّع بها موسيقى الشعوب أو الحالات الهجينة المطعمّة بعناصر من هذه الألوان.
تحيي سعاد ماسي أمسية في «الذوق»

في المهرجانات اللبنانية، نادراً ما تغيب هذه التجارب عن البرمجة. وهذه السنة يمكن وضع مواعيد عدة تحت هذه الخانة، ولو أن بعضها صعب التصنيف أساساً، كتجربة الجزائرية سعاد ماسي التي تأتي ربما للمرة الرابعة أو الخامسة إلى لبنان، منذ صدور ألبومها الشهير «راوي» قبل نحو عقد ونصف العقد. المغنية وعازفة الغيتار صاحبة الصوت الدافئ مدعوة من جانب «مهرجانات ذوق مكايل الدولية» التي شهدت هذه السنة تحسناً نسبياً في برمجتها بعد تعثّر طال دورة 2016 وأكثر منها دورة السنة الماضية، للأسباب المادّية التي باتت معروفة، ولا علاقة لها بنيّة المنظمين ورغبتهم في تقديم أفضل المتاح للجمهور. في الثامن من الشهر المقبل، تفتتح سعاد ماسي المهرجان الكسرواني بأمسية وحيدة تقدّم خلالها مزيجاً من الشعبي الجزائري والفولك والروك الهادئ، في برنامج يحوي باقة من أشهر أغانيها التي صدرت في ألبومات خمسة، آخرها يعود إلى عام 2015 بعنوان «المتكلّمون». من جهة ثانية أكثر حماوةً وزخماً، يحيي نجم الروك الغجري البلقاني، غوران بريغوفيتش حفلةً في ختام «يوميات غلبون» (1/7)، يؤدي فيها مع فرقته التي تتألف بشكل أساسي من آلات النفخ النحاسية والآلات الإيقاعية، باقة من أعماله المعروفة بالإضافة إلى بعض جديده من عمله الأخير «ثلاث رسائل من ساراييفو» (2017). الفنان الصربي سبق أيضاً أن زار لبنان مراراً، إذ حلّ وهو في عزّ شهرته ضيفاً على «بيت الدين» عام 2003، قبل أن يعود إلى «مهرجان بيروت للثقافة والفنون» (2011) ثم إلى «بيت مسك» (2014).
في عمشيت الحديثة العهد في هذا المجال (انطلق مهرجانها عام 2016)، برنامجٌ من أمسيتَين، تحيي إحداها فرقة الريغي (Inner Circle 23/8). النمط الموسيقي الجمايكي الذي يتربّع على عرش رمزيته الراحل بوب مارلي ما زال حياً، رغم محدوديته الموسيقية، بهمّة بعض الفرق، منها تلك التي تزورنا هذا الصيف، وهي من الأعرق في مجالها. إذ يعود تأسيسها إلى ما قبل نصف قرن. تضم Inner Circle خمسة أعضاء، بينهم اثنان من مؤسسيها، الأخوان إيان ورودجر لويس، وفي رصيدها عشرات الألبومات التي بدأت بإصدارها مطلع السبعينيات ويعود آخرها إلى عام 2013.