بقليل من التحايل هنا أو بكثير منه هناك، استطعنا أن نكوّن نواة مقالة خاصة بالجاز في المهرجانات اللبنانية لهذا الصيف الشحيح في ما خصّ هذا النمط. فالألمانية القديرة أوتيه لامبر (25 تموز)، ضيفة «مهرجانات بيت الدين»، هي ملكة النمط المسمّى «أغاني الكاباريه»، لكنها غنّت في مسيرتها القليل من الجاز، من جهة، ومن جهة ثانية بعض أغنيات ريبرتوارها الأساسي قريبة أساساً من الجاز (لناحية الإيقاع وتركيبة الفرقة أحياناً). لذا، وكي لا نتناولها بشكل مستقل، أدرجناها تحت مظلة الجاز. كذلك، الفرنسية الأولى الأسبق، الحسناء كارلا بروني التي تحلّ أيضاً ضيفةً (30 تموز) على «بيت الدين»، كان يُفترض أن ندرجها مع نجوم الغناء الفرنسي، لكننا «حوَّلناها» إلى خانة الجاز تماشياً مع ألبومها الذي تتمحور حفلتها المرتقبة حوله. آخر أعمالها تولّى إصداره Verve، الناشر الأعرق في مجال الجاز، وفيه تغني بالإنكليزية كلاسيكيات من أنماط مختلفة، وبلمسة أقرب إلى الفولك والجاز الخفيف، منه إلى اللمسة الفرنسية كما يوحي عنوانه French Touch. يبقى ابراهيم معلوف الذي يشكّل منفرداً برنامج دورة «مهرجانات البترون الدولية» (11 آب). هنا نوفّر النقد إلى مناسبة أخرى لأن ملف المهرجانات يحمل عموماً الطابع المعلوماتي والترفيهي الخفيف، لكن ضمّ معلوف إلى هذه المقالة يأتي نزولاً عند رغبة الأكثرية المضلَّلة (ثم المضلِّلة) التي تضع عازف الترومبيت اللبناني المولد، الفرنسي الهوى، في خانة الجاز، الشرقي تحديداً، لما عند الرجل من غزارة في أرباع الصوت! في «بعلبك»، التي طالما شهدت ليالي جاز تاريخية (قبل التراجع الذي ضرب المهرجان الأعرق في السنوات الأخيرة)، تحضر كلمة «جاز» في أمسية هجينة تجمع عازف البيانو إيلي معلوف بالمطربة جاهدة وهبه (17 آب - راجع مقالاً عن الأمسية في مكان آخر من الملحق). ما خلا ذلك، يخلو صيف لبنان السياحي من أي أمسية جاز «حقيقية» محترمة.
كارلا بروني

إذاً، بكل شفافية، هذه المقالة لا تتناول الجاز، بل تتناول أنماطاً قد تهمّ جمهور الجاز أكثر من سواه. في هذا السياق تأتي أوتيه لامبر في المرتبة الأولى ضمن الأمسيات التي ننصح بها من انتظر، عبثاً، أحد رموز الجاز هذا الصيف. إنها الوريثة الشرعية للعملاقة الراحلة مارلين ديتريش، ورسولة «الكاباريه سونغ» الأولى في العالم اليوم، ومن القلائل، إن لم تكن الوحيدة، ممن يصرون على إحياء التركة الثمينة التي شهدتها كاباريهات ومسارح برلين قبل الحرب العالمية الثانية وكذلك المسارح الغنائية في أميركا (أغنى نتاجها مهاجرون يهود و/أو شيوعيون من ألمانيا النازية) وغيرها من الأعمال التي غنّتها بلغتها الأصلية أو نقلتها من وإلى الإنكليزية والألمانية بشكل أساسي. ليت المساحة تتسع لإعطاء ريبرتوار لامبر حقه من الشرح، إن لناحية المواضيع والأسلوب الأدبي (الجنس، الحب، السياسة، الموت، الفن، المرأة/الرجل، السخرية السوداء، الفكاهة الثاقبة…) أو لناحية التأليف الموسيقي (يحمل توقيع كبار المؤلفين) وكذلك الصوت المحمّل بالأداء الخاص الذي يتطلّب مهارةً في فنَّي الغناء والمسرح لإيصال ملامح الموقف الذي يعكسه المعنى (التعديل في النبرة، الضحك، الصراخ، التقليد،…)، لكن، سنعود إلى الأمسية عشية موعدها. باختصار، يجمع هذا النمط بين السهولة والصعوبة: من جهة، هو سهل على السمع، لكنه يتطلّب، من جهة أخرى، ثقافة عامة واسعة بشتى المواضيع لفهم النصوص، وإلماماً بالعديد من الأنماط (الكلاسيكية والشعبية) لتقدير التركيبة الموسيقية. في رصيد أوتيه لامبر عشرات الألبومات، وقد سبق أن زارت «بيت الدين»، وكذلك «بيبلوس». أما أمسيتها المرتقبة فهي تحية لمارلين ديتريش تستعيد فيها أبرز ما غنّت الأخيرة في الكاباريه والمسرح والسينما.
أوتيه لامبر تعدّ الوريثة الشرعية للعملاقة مارلين ديتريش


أيضاً في «بيت الدين»، موعدٌ مع كارلا بروني (30/7) يحمل عنوان ألبومها الأخير French Touch الذي سنسمعه في أمسيتها ويضم 11 أغنية تعود إلى الفترة الممتدة بين عامي 1945 (Love Letters لـDick Hames) و1990 (Enjoy the Silence لـDepeche Mode)، مستعادة من أكثر من ريبرتوار غنائي غربي بتوزيع جديد (أوركسترالي أو حميم) يجمع بين الجاز الخفيف والفولك والروك الهادئ.
أخيراً، يطل عازف الترومبت ابراهيم معلوف ضمن «مهرجانات البترون الدولي» في 11 آب (أغسطس)، مع الإشارة إلى أنها الأمسية الوحيدة في هذه الدورة من المهرجان الشمالي. بدأ معلوف مشواره الفني من فرنسا وأصدر ألبومات عدة في السنوات العشر الأخيرة، تجمع بين الجاز الحديث والروك والموسيقى الشرقية، وقد شارك في مهرجانات محلية وعالمية، وله أيضاً إطلالة هذه السنة خلال أمسية ماتيو شديد في «بعلبك» (4 آب).