تنتشر ظاهرة المهرجانات على مجمل الاراضي اللبنانية، فتعطي لبنان طابعاً احتفالياً يجعلك تشعر انك في احد بلدان اوروبا الحضارية، وأن كل شيء على ما يرام وكل شيء اكتمل ولم يعد ينقص البلد الا الاجواء الاحتفالية، فلا مشكلة كهرباء ولا مشكلة مياه أو طرقات سيئة، ولا مشكلة طبابة أو تعليم ولا يوجد بطالة ولا فساد ولا ارهاب ولا أي شيء.
لا ينقص اللبنانيين الا الاحتفالات، ليفرحوا ويعمر لبنان...
برنامج الاحتفالات :
-عدد كبير من المطربين «حصراً». في لبنان الفن يختصر بنوع واحد وهو: الغناء، و«بضهر البيعة» بعض الفرق الموسيقية . لا يهم المستوى، مغن أحيل على التقاعد في بلاده اختفى صوته، ويصعد الى المسرح برفقة فريق طبي للحالات الطارئة بدلاً من فرقة موسيقية، لا داعي لها كونه سيغني بلاي باك.
- فرقة موسيقية لا يهم كم هي مبدعة ولا يهم اذا غنت للعدو الاسرائلي واحيت الحفلات في كيانه الغاصب ومجدّت جيشه. المهم انها الوحيدة التي ردت على ايميل اللجنة المنظمة وابدت موافقتها على المشاركة.
- عدد من خريجي برامج الهواة للغناء ستراهم يقفون على ادراج بعلبك في المكان الذي وقفت عليه السيدة فيروز والسيدة ام كلثوم، ليغنوا من اغاني السيدتين باصوات متواضعة لا تحتاج لسماعها الى مثل هذه المهرجانات بل الى مطعم أو حانة ليلية متوسطة الحجم.
- مطربون عرب هم نجوم في الغناء ويضيفون نكهة وبصمة على هذه المهرجانات، ولكن هل المهرجانات محصورة فقط في الغناء؟؟
ممّول المهرجانات:
تحظى هذه المهرجانات بدعم من خزينة الدولة اللبنانية بمبالغ خيالية تراوح بين 700 مليون الى مليار ليرة لكل مهرجان بحسب موقع زوجة المسؤول في التركيبة اللبنانية. فلكل زوجة سياسي مهرجانها، على أن يراعى التوزيع المناطقي. الا اذا خرج من نفس المنطقة زعيمان سياسيان، فعندها سنكون امام ازمة مستعصية ...
اعرق مهرجانات لبنان مهرجانات بعلبك الدولية- ترأسها حاليا شقيقة النائب نبيل دوفريج - هذه المهرجانات التي استضافت معظم روائع الأخوين رحباني والسيدة فيروز والعمالقة: صباح ووديع الصافي ونصري شمس الدين وأم كلثوم أصبح حالها الآن مضحك. آخر ابداعات لجنة المهرجانات استضافة المغنية سميرة سعيد وقبلها شيرين عبد الوهاب (الصورة)! مع احترامنا لهذه الاسماء، ولكن كان عليهما في اقل تقدير انجاز اعمال خاصة للمهرجان لا الصعود على ادراج بعلبك والغناء كما في اي حفلة في مطعم درجة ثالثة ينظمها متعهد حفلات.
تراوح اسعار البطاقات في هذه المهرجانات من 40 الى 300 دولار أميركي أي أنها ليست في متناول الجميع. والسؤال الذي يُطرح: لماذا اذن تحظى بكل هذا الدعم من الدولة؟ علماً أنّ معظم الحفلات تحظى بحشد جماهيري، أي أنّها مربحة بغض النظر عن هوية الجمهور. ولا تكتفي هذه المهرجانات بذلك، بل لا تدفع الضريبة المفروضة على البطاقات لصالح النقابات الفنية في لبنان، مما يحرم صناديقها من مورد مهم لو توافر لأمنّ حياة كريمة لمعظم الفنانين وجنبّهم شر العوز.
لماذا لا تنتج هذه المهرجانات اعمالاً مسرحية أو راقصة على سبيل التنويع بدل الاكتفاء بحفلات المطربين؟ الفن متنوع يا سادة. هناك ايضاً المسرح بكل أنواعه، ووظيفة هذه المهرجانات مع هكذا ميزانيات ضخمة هي انتاج الثقافة وصناعة فن يليق بتاريخ الفن اللبناني.
يستثنى من هذه المهرجانات مهرجان بيت الدين الذي تشرف عليه السيدة نورا جنبلاط وربما يعود ذلك للذائقة الفنية العالية التي تتمتع بها السيدة جنبلاط. فللأمانة هذا المهرجان يتميز عن غيره بمستواه الراقي وبنوعية العروض التي يقدمها وحتى بالتصدي لإنتاج اعمال فنية راقية، كما حدث في نسخته هذا العام، إذ قام بانتاج عمل مسرحي غنائي بعنوان «السيرك السياسي» نص واخراج هشام جابر، والحان بمعظمها للمبدع زياد الاحمدية صاحب النمط الموسيقي الخاص والواعد جداً. كلفة هذا العمل كانت كبيرة، سيما أنّه ضم اكثر من 80 فناناً بين ممثل وعازف ولاعبي سيرك من خمس دول أوروبية، إضافة الى مشاركة القدير فائق حميصي بدور الساحر. وقد سبق لمهرجانات بيت الدين أن قدمت عدداً من العروض المسرحية اللبنانية («حكم الرعيان» للراحل منصور الرحباني) والعالمية ايضاً.
هذا الكلام لن يغير شيئاً ولن يعيره أحد اهتماماً، بل إنّ هذه المهرجانات مرشحة للازدياد وستستنزف خزينة الدولة أكثر لأننا مقبلون على انتخابات نيابية قد تحمل وجوهاً سياسية جديدة ستعمد لتلبية طلبات زوجاتها عندما تقول: «حبيبي. ليش زوجة الزعيم الفلاني عندها مهرجان؟ انا كمان بدي مهرجان». فيجيبها: «تكرمي، حاضر. وينادي باعلى صوته: وعندك واحد مهرجان ... وصلحّه».

* ممثل لبناني