بات واضحاً أنّ شركات الإنتاج تحاول البقاء على قيد الحياة بعدما أنهكتها الأزمة المالية والمنافسة والقرصنة... ودخلت في غرفة العناية الفائقة
ربى صالح
يطوي عام 2009 صفحةً جديدة من الخسائر الفادحة لشركات الإنتاج الفني، في وقت بات مستحيلاً على هذه الشركات صناعة نجم جديد لتعويض الخسائر على غرار ما كان يحصل في التسعينيات. ماذا حلّ بهذه الشركات العملاقة التي مثّلت لفترة طويلة مصدر ربح لأصحابها؟ كيف تبدّلت الأحوال وتحوّل أغلب الفنانين إلى عبء على شركاتهم؟ وهل السبب هو الأزمة المالية العالمية؟ أم أن السوق العربي بات عاجزاً عن استعياب هذه الكمية الكبيرة من... الفن والمنافسة؟ أسئلة كثيرة تعيدنا إلى بداية ظهور هذه الشركات وسيطرتها على السوق.
بدأت القصة قبل 15 عاماً، حين نشب صراع مصري ــــ سعودي حول أحقية الإنتاج الفني. وفي وقت كان المصريون يرون أنهم خزّان العالم العربي الفنّي، كان الخليجيون يتحضرون للانقضاض على السوق وتغيير المعادلة.
هكذا بعدما كان الفن المصري واللبناني يختصر كل الفن العربي، جاء غول المال الخليجي ليفرض نفسه منذ التسعينيات، وتحديداً عندما أقفل آل موسى شركة «ريلاكس إن»، وذهب محمود موسى إلى «روتانا» التي لا يزال يعمل فيها مدير إنتاج فني.
هكذا، استطاع الثراء الخليجي إطاحة الإنتاج اللبناني والمصري. وبعدما كان طلال المدّاح ومحمد عبده المنافسَين الخليجيَن الوحيدَين لوديع الصافي ووردة وصباح وعبد الحليم، باتت المنافسة اليوم تشمل عشرات بل مئات المغنين الخليجيين.
في التسعينيات إذاً، تفتّحت أعين «الدب المالي» الخليجي ــــ وتحديداً السعودي ــــ على قطاع صناعة الأغنية. وجاءت عائلة آل ناقرو السعودية لتؤسس شركة تدعى «روتانا». وبدأت الشركة تتوسّع شيئاً فشيئاً، لتبتلع باقي الشركات من «ريلاكس إن» إلى «الخيول» السعودية. أما الشركات التي حاولت الصمود في وجه عاصفة «روتانا» فبقيت ضمن الإطار المحلي ولم تتمكّن من الانتشار.
وجاء تحالف «روتانا» مع art ليقلق المراقبين الذين أعربوا عن خوفهم من تحالف بعض شركات الإنتاج مع المحطات التلفزيونية، وحمّلوا هاتين المؤسستين مسؤولية هبوط المستوى الفني. لكن حلف «روتانا» ــــ art انتهى عام 2004، وهي السنة التي باع فيها آل ناقرو الشركة نهائياً للوليد بن طلال.
لكن الوضع تغيّر فجأة، وشركات الإنتاج التي كانت دجاجات تبيض ذهباً، انخفض مدخولها مع تضخّم سوق الإنتاج وارتفاع أسهم الفن «الهابط»، إضافة إلى وباء القرصنة الذي بدأ يحاصر الشركات ويخنقها. وفي محاولة يائسة لمحاربة القرصنة،

يتواطأ بعض النجوم مع القراصنة لتسريب أغانيهم قبل صدورها رسمياً

أصدرت «روتانا» بياناً أعلنت فيه عن خفض سعر الـ«سي. دي» إلى أربعة دولارات في مختلف أنحاء العالم، بعد سلسلة حملات بوليسية على مراكز القرصنة في لبنان. لكن واقع القرصنة أصبح كالمرض المزمن، أسهم في انتشاره تواطؤ بعض نجوم الغناء بشكل أو بآخر في عملية تسريب أغانيهم قبل التاريخ الرسمي لصدورها عبر شركات الإنتاج. ومع دخول «روتانا» مرحلة العناية الفائقة، بقي الإنتاج المصري في سبات عميق، ويقتصر على إيجاد أصوات جديدة وجميلة وبيعها لمموّل كبير. حتى محسن جابر لم تبعده عراقة شركته «عالم الفن» عن المتاجرة ببعض إصداراته. أما نصر محروس مكتشف شيرين عبد الوهاب وتامر حسني ففشل في إيجاد نجوم جدد. كما فشلت شركة «غود نيوز» التي يملكها سعوديون ويديرها عماد الدين أديب في القاهرة في فرض نجم جديد على الساحة.
في هذه الأثناء، نشأت على أطراف قطاع الإنتاج، شركات صغيرة مثل «آرابيكا» للمنتج اللبناني محمد ياسين التي بدأت تدخل بقوة إلى السوق، مع وائل جسار ومحمد منير ومدحت صالح.
ويبقى السؤال: هل انتهت فعلاً أسطورة صناعة الموسيقى في الشرق وأصبح الاستهلاك البطل الوحيد في المعركة؟