لم يكد يخرج الاقتصاد العالمي من نتائج جائحة كورونا، حتى دخل في معضلة جديدة وضعته بين مقصلتي التضخّم والركود. لم يستردّ الاقتصاد العالمي ما خسره في جائحة كورونا بعد، أي أن الناتج العالمي لم يعد إلى مستويات ما قبل بداية الجائحة. عملياً، السياسات النقدية التوسعية التي اتّبعتها المصارف المركزية خلال الجائحة أدّت في نهاية العام الماضي إلى تسارع معدلات التضخم. لذا لجأت المصارف المركزية إلى رفع معدلات الفائدة لمواجهة الأمر. رفع معدلات الفائدة يعني سحب الأموال من الأسواق عبر جذبها إلى القطاع المالي، ما يعني أن الإقدام على الاستثمار الفعلي يصبح أقلّ. سبّب هذا الأمر تراجعاً في النمو، إذ يقول صندوق النقد الدولي، إن عام 2022 شهد نمواً بنسبة 3.2% فقط في حين كان في عام 2021 أكثر من 6%.

ومن المتوقّع أن يشهد الاقتصاد في عام 2023 ركوداً اقتصادياً، أي سيتراجع الناتج العالمي. لعب ارتفاع أسعار الطاقة دوراً في هذا الأمر أيضاً، إذ شهدت أوروبا تراجعاً في الإنتاج الصناعي بسبب ارتفاع كلفة الطاقة. ومن ناحية أخرى، كان لانتشار فيروس كورونا في الصين انعكاس أيضاً على الاقتصاد العالمي. فالصين، كثاني أكبر اقتصاد وأكبر منتج في العالم، تؤثّر بشكل كبير على الناتج العالمي، ونموّها في العقود الأخيرة، كان دافعاً مهماً لنموّه. مع ارتفاع الإصابات بكورونا، أقفلت الصين العديد من المدن الصناعية، وهو ما ساهم في انخفاض الإنتاج وتباطؤ الحركة الاقتصادية فيها وفي باقي بلدان العالم.
بشكل عام، كل التوقعات تشير إلى ركود اقتصادي عالمي السنة المقبلة، خصوصاً أن الاحتياطي الفيدرالي الأميركي لا يبدو عازماً على التوقّف عن رفع معدلات الفائدة، وإجبار باقي المصارف المركزية في العالم على اتباعها. وهو ما يعني أن الاقتصادات العالمية ستشهد المزيد من التباطؤ في الاستثمارات، وبالتالي بلوغ نمو سلبي مستمرّ يُصنّف حينها ركوداً اقتصادياً.