خلال 48 ساعة، تبخّر نحو 240 مليار دولار من سوق الـ«كريبتو». وهذه ليست حصيلة شاملة لكل الخسائر التي نتجت من حالة هلع دفعت المضاربين حول العالم إلى تصفية استثماراتهم في العملات المشفّرة. تحفّزوا للقيام بذلك بسبب سلوك «باينانس» الذي فرض على منافسته «FTX» التفاوض معها للبيع، ثم التخلّي عن الصفقة وتسريب وجود فجوة مالية ضخمة في بنية الشركة. خلال أيام، أفلست الشركة وصارت ثروة مؤسسها تساوي صفراً. ما حصل هو نموذج من صراع الوحوش في سوق المال.في أسواق المال يعمل كل طرف على إلغاء الآخرين أو إضعافهم بالحدّ الأدنى. لا يكتفي كل طرف بحصته السوقية، ولا بثروته، بل يسعى دائماً إلى المزيد. يحاول أن يكسر الآخرين بكل الطرق، فيما المضاربون السذّج حول العالم يسجّلون خسائر هائلة. أحدث نسخة من هذا الصراع بدأت في الثاني من الشهر الحالي، حين كشف موقع «CoinDesk» أن أصول صندوق التحوّط «Alameda Research»، وهو يعدّ شركة شقيقة لشركة «FTX» ثالث أكبر بورصة عملات رقمية في العالم، هي بجزء كبير منها عملات «FTT» الصادرة عن «FTX». بمعنى أن هذه الأخيرة كانت تتموّل من الصندوق الذي تملكه هي، عبر عملات رقمية تصدرها هي. وفي ذلك الوقت، أعلنت شركة «باينانس»، وهي أكبر منصة تداول للعملات المشفرة في العالم، أنها ستصفي حمولتها من العملة المشفّرة «FTT». انطلق مسار تصفية المحافظ وبيع عملة «FTT» المشفّرة، فانخفضت خلال ساعات من نحو 25 دولاراً إلى 2.5 دولار.
لم يكن لانكشاف العملية الاحتيالية التي قامت بها «FTX» أثر واسع في السوق، أي أن الخسائر انحصرت بعملتها فقط. ثم فجأة انطلقت مفاوضات قادتها «باينانس» لشراء «FTX». المفاوضات تعني اطلاع الشاري المحتمل على البيانات المالية للبائع. يومها أشيع في السوق أن هذه الصفقة ستعيد الآمال للمستثمرين بالعملات المشفّرة، علماً بأنهم لم يشفوا بعد من الندوب التي تركتها أزمة «لونا - تيرّا» التي كبدتهم خسائر طائلة.
في الواقع، كانت «FTX» فريسة سهلة ورخيصة في حالها الراهن. لكن لم يطل الأمر حتى أعلنت شركة «باينانس» التخلّي عن الصفقة بكاملها، متذرّعة بمشاكل مالية لدى «FTX»، فضلاً عن حصول «إساءة في التعامل مع أموال المستثمرين». إذ اكتشف المسؤولون التنفيذيون في «باينانس»، فجوة مالية بين التزامات «FTX» وأصولها تتجاوز 6 مليارات دولار. عندها فقط تفجّر الهلع وانخفضت الأسعار وتبخّر نحو 240 مليار دولار من سوق الـ«كريبتو» في 48 ساعة. وما زالت عملية التبخّر للأموال جارية لغاية اليوم. كما أن ثروة مؤسس شركة «FTX» البالغة 16 مليار دولار تبخّرت في أيام.
رغم ذلك، لم يكتف مؤسس «باينانس» بهذا النصر، بل قرّر ترويع الآخرين بتصريح لفايننشيال تايمر: في الأسابيع المقبلة، شركات أخرى ستفلس بعد حادثة «FTX».