مع اكتمال استحواذ إيلون ماسك على منصة «تويتر»، وتسريح نحو 3700 موظف من الشركة. ثم ميله الصريح، في السياسة، إلى معسكر الجمهوريين عشية انتخابات التجديد النصفي في الولايات المتحدة الأميركية، تشكّلت حالة من النقمة تجاه الملياردير ما فجّر حركة نزوح لمستخدمي مواقع التواصل الاجتماعي نحو منصات أخرى لامركزية مثل «ماستادون» (Mastodon).تجاوزت شبكة «مَستَدون» المليون مستخدم نشط شهرياً، وفقاً للمدير التنفيذي والمطوّر الرئيسي، يوجين روشكو. فقد شهدت هذه المنصة التي تأسست في عام 2016 ومقرّها ألمانيا، نمواً سريعاً مع انضمام نحو نصف مليون مستخدم إليها منذ 27 تشرين الأول الماضي. صحيح أن هذا الرقم يعدّ صغيراً مقارنة بعدد مستخدمي «تويتر» النشطين يومياً والبالغ 238 مليون مستخدم، إلا أن المنصة الجديدة بات ينتسب إليها آلاف المستخدمين في الساعة، ارتفاعاً من بضع عشرات، ما أوقع ضغطاً على الشبكة على شكل صعوبة في الانتساب.
تصف الشبكة نفسها بأنها «منصّة تواصل اجتماعية لامركزية مجانية ومفتوحة المصدر»، وتهدف إلى أن تكون «بديلاً من تويتر»، علماً بأن اسمها مستقى من اسم حيوان منقرض قريب من فصيلة الماموث والفيلة. أما ما يعنيه أن تكون مفتوحة المصدر، فهو أن الكود الأصلي متاح لجميع الناس، فيمكنهم تنزيله وإعادة توزيعه وتغييره، فضلاً عن المساهمة في تطوير برمجية «مَستَدون» من خلال إيجاد وإصلاح الثغرات وإضافة ميزات جديدة وترجمة واجهته إلى لغات مختلفة. كما تقدّم المنصّة تجربة تشبه «تويتر» و«تويتش» إلى حدٍ كبير. لكن على عكس «تويتر»، فإن الشبكة خالية من الإعلانات ولا توجد في مركز بيانات واحد، بل تنتشر عبر آلاف الخوادم حول العالم التي تختلف بحسب الاهتمامات. بمعنى أن هناك خادماً للحديث عن الطعام، وآخر عن التكنولوجيا والكثير غيرهم. وينضمّ المستخدم إلى أحد تلك الخوادم التي تثير اهتمامه، لكنه يبقى قادراً على متابعة الاهتمامات الأخرى. بالإضافة إلى ذلك، يمكن لكل خادم أن يختار تقييد المحتوى غير المرغوب فيه بحسب ما يراه مناسباً.
المنصّة مدعومة من خلال التمويل الجماعي و«منحة صغيرة» من المفوضية الأوروبية. لكنها لا تخضع لأي كيان مركزي. ولا يمكن لمالك خادم واحد فرض إرادته أو إغلاق الشبكة، لكن يمكن لمالكي الخوادم قطع العلاقات بسهولة مع أي خادم يتبنّى السياسات التي يرون أنها متطرّفة للغاية. هذا النموذج اللامركزي، يقلل كلفة عمل الشبكة لأنها موزعة على عدّة جهات. كما أنه يستحيل أن يتملكها كيان أو شخص واحد. هي أشبه بمنطقة جغرافية تحوي شعباً أو عدّة شعوب يختلفون في الثقافة والرؤية. ولهذا السبب، يطلق على هذا المفهوم أيضاً، الشبكة الاجتماعية الفيدرالية.
هناك اختلافات أساسية بين الشبكات الاجتماعية اللامركزية، وبين منصات التواصل الاجتماعي التقليدية مثل «فايسبوك» و«تويتر». فعلى سبيل المثال، يسمح «فايسبوك» للمستخدمين فقط بإرسال واستقبال الرسائل إلى أشخاص آخرين لديهم حسابات «فايسبوك»، ولا يمكن لمستخدمي «تويتر» إرسال رسائل إلى حسابات «فايسبوك» لعدم وجود ترابط بينهم، أما عبر الشبكات الاجتماعية اللامركزية فهذا الأمر متاح. يشبه الأمر أن يرسل شخص لديه بريد إلكتروني على «Gmail»، إيميل إلى شخص آخر لديه بريد إلكتروني على «Outlook».
رغم تصاعد الزخم حول «مَستَدون» والشبكات الاجتماعية اللامركزية بشكل عام، إلا أن من المبكر الحديث عن نهاية حياة المنصات التقليدية. بالنسبة إلى «تويتر» تحديداً، لا تزال المنصّة الرقم واحد لنشر الأفكار السياسية والاجتماعية، وخصوصاً أن القيود متشدّدة على «فايسبوك». وهذه المنصّات ليست مجانية للمستخدمين، بل هي تبيع بياناتهم وسلوكهم.