في نهاية تشرين الأول 2022 بلغت ميزانية مصرف لبنان ما قيمته 283 مليار ليرة. لكن ثمة مجموعة من الوقائع تشير إلى أن هذا الرقم مزيّف ولا يعبّر عن الواقع الفعلي، إذ إن الميزانية ما زالت تُحتسب على سعر صرف يبلغ 1507.5 ليرة وسطياً، بينما هناك عدد من البنود التي طرأت عليها تطوّرات واسعة تحتوي على أسعار صرف متعدّدة. مصرف لبنان ما زال يراكم الخسائر ويسجّلها على سعر صرف غير موجود.
أنقر على الرسم البياني لتكبيره

تضاعفت ميزانية مصرف لبنان 3.4 مرة منذ مطلع 2010 لغاية تشرين الأول 2022. زيادة هائلة بمعدل وسطي يبلغ 16800 مليار سنوياً، إنما لا تعبّر عن الحجم الحقيقي للميزانية التي ما زالت تُحتسب على أساس سعر صرف غير موجود. فعلى سبيل المثال، ما زال مصرف لبنان يسجّل الاحتياطات بالعملات الأجنبية، والذهب، وفق سعر صرف يبلغ 1507.5 ليرات وسطياً. فلو اعتمد مصرف لبنان سعر صرف الدولار السوقي، أي ما يعادل 35 ألف ليرة للدولار الواحد، لارتفعت قيمة الذهب المسجّلة في حساباته من 22 تريليون ليرة إلى نحو 530 تريليوناً. كما أنه لو اتّبع سعر الصرف نفسه لاحتساب حجم الاحتياطات بالعملات الأجنبية، لارتفع من 15 تريليون ليرة إلى نحو 358 تريليون ليرة. يُمثّل هذا الأمر ارتفاعاً في حجم الميزانية من 283 تريليون ليرة إلى أكثر من 1000 تريليون ليرة. وبسبب نقص الشفافية، لا يفصح مصرف لبنان عن كلفة العمليات التي يقوم بها لشراء الدولارات من السوق وضخّها عبر المصارف والصرافين وسائر المؤسسات المالية. لا يصرّح عن آلية تسجيل هذه العمليات، بل يضمّنها في الميزانية بوصفها أصولاً مستقبلية على شكل أرباح تدرج في بند «الأصول الأخرى». كان هذا البند يمثّل في مطلع عام 2010 نحو 10.6% من مجموع الميزانية، إلا أنه تضاعف 15.9 مرة من 8760.7 مليار ليرة ليبلغ في نهاية تشرين الأول 2022 نحو 139 تريليون ليرة وبات يمثّل نحو 49% من مجموع الميزانية.
والميزانية أيضاً لا تشير بوضوح إلى أن القروض التي منحها مصرف لبنان للمصارف بالدولار الأميركي، ما هو سعرها اليوم. بل يسجّلها أيضاً بسعر لم يعد قائماً. إذ إن عملية تزييف الأصول المدرجة في الميزانية، هدفها ألا يعاد تقييم الالتزامات بسعر الصرف السوقي. وهذا ما يتيح لمصرف لبنان إخفاء الخسائر المتراكمة التي يحفظها في خبايا حساباته المالية. لكن بشكل عام، يُعد احتساب مطلوباته بالعملات الأجنبية على سعر الصرف السوقي نوعاً من الاعتراف بالإفلاس. وإفلاس مصرف لبنان يعني اعتراف المصارف التجارية بالإفلاس، وهو ما يحاول المركزي تجنّبه منذ بداية الأزمة.