خلال القرن الماضي، جرت سرقة أكثر من 90% من أراضي الأميركيين الأفارقة. كان هذا الأمر أحد أهم العوامل التي عمّقت هوّة اللامساواة بين الأعراق في أميركا. وبنتيجة ذلك، فإن أحد أبرز أوجه الثروة، أي الثروة العقارية تشير إلى اختلال حاد ناتج من «سلب» الأراضي من الأميركيين الأفارقة عبر التحايل على القانون، وعبر القانون نفسه الذي أجبرهم على بيع أراضيهم رغماً عنهم. فقد تبيّن أن 43.4% فقط من الأميركيين الأفارقة يملكون منازل خاصّة بهم، في مقابل 72.1% للأميركيين البيض.
أنقر على الرسم البياني لتكبيره

مثّلت عمليات سلب الأراضي إحدى أبرز قنوات انتقال الثروة من الأميركيين الأفارقة إلى البيض. فعلى سبيل المثال، شهدت ولاية «ميسيسيبي» إحدى أكبر عمليات انتقال الأراضي من الأميركيين الأفارقة إلى البيض في مدّة زمنية قصيرة. إذ إنه بين عامَي 1950 و1964 بلغت مساحة الأراضي «المسلوبة» نحو 800 ألف هكتار، أي ما تساوي قيمته اليوم ما بين 3.7 و6.6 مليارات دولار. لكن الحسبة لا تقف هنا، إذ إن مساحة الأراضي المسلوبة ازدادت حتى عام 1972 إلى نحو 6 ملايين هكتار. وهذه العملية لم تكن تحتاج إلى قرار مركزي من الدولة، بل هي مشرّعة من خلال القوانين السارية المفعول التي لم تكن موضوعة لحماية أملاك الأميركيين الأفارقة، وانتشار الجشع والعنصرية. وهذا ما سهّل تنفيذ آلاف عمليات نقل الملكية من دون ضجّة. وهذا لا يلغي وقائع تشير إلى أن أشخاصاً نافذين من البيض كانوا يعملون لتنظيم الأمر وتحويله إلى نهج منظّم. يقول ناشط الحقوق المدنية «بايارد روستين» في عام 1956، إن الوثائق المأخوذة من مكتب «روبرت باترسون»، وهو أحد الآباء المؤسسين لمجالس المواطنين البيض، تُظهر بأن «باترسون» اقترح «خطة رئيسية» لإجبار مئات الآلاف الأميركيين الأفارقة على مغادرة «ميسيسيبي» من أجل تقليل قوّتهم التصويتية المحتملة. تصوّر «باترسون»، على حد تعبير «روستين»، كان قائماً على «تراجع أعداد المزارعين الصغار المستقلّين» عبر عمليات الضغط الاقتصادي.
يشرح تقرير لـ«تيكيسا نيسبت» في موقع «inequality.org» عن الطرق التي اعتُمدت في الولايات المتحدة لأخذ الأراضي من الأميركيين الأفارقة. تتضمّن هذه السبل استغلال نفوذ البيض في الدولة لوضع قوانين، أو التحايل عليها، بهدف «سرقة» الأراضي. في ما يلي عرض لهذه الطرق:

التوريث بلا وصيّة
لم يكن لدى الأميركيين الأفارقة القدرات المادية لتحمّل أكلاف الخدمات القانونيّة بسبب غلائها وجهلهم بها، وهذا ما دفع كثيرين منهم إلى الموت بلا وصيّة توزّع أراضيهم على أولادهم. وهذا يعني أن ممتلكات الشخص كانت تصنّف كـ«ملكية ورثة». بمعنى أنه يتم تقسيم الملكية كحصص بالتساوي بين جميع الورثة المعروفين. وبمرور الوقت، وبعدما حدث هذا الأمر مع أجيال متتالية، تصبح الملكية مقسّمة بين أحفاد الأحفاد، ما يخلق «مستنقع» ملكية يتضمّن مئات، بل آلاف الورثة. عملياً، تصبح هذه الأراضي غير قابلة للاستعمال قانونياً. فعلى سبيل المثال، لا يمكن استخدامها كضمان على الرهن العقاري، أو تقسيمها، أو تطويرها. كل ذلك غير ممكن من دون تحديد وتعقب كل وريث والحصول على موافقتهم واحداً واحداً. بهذا الوضع، كان هناك شبه استحالة للحفاظ على الملكية.

أنقر على الرسم البياني لتكبيره

إذ إنه بعد أن تتقسم الأرض على العديد من الورثة، يمكن سلبها بأسعار بخسة وبشكل قانوني أيضاً عبر ما يسمى بـ«دعوى التقسيم» التي تتيح لأصحاب الأرض المشتركة بيع الأرض في حال كان هناك شركاء يرفضون ذلك. بهذه الطريقة يستطيع أي وريث أن يجبر باقي الورثة على البيع بالسعر الذي يتفق به مع الشاري (الذي يستغل بدوره هذا الأمر ويخفّض سعر الأرض). هكذا خسر الكثير من الأفارقة الأميركيين أراضيهم.

قانون «تورين»
تاريخياً، كانت عدة ولايات تعمل بما يسمى قانون «تورين» الذي كان يهدف في الأصل إلى تبسيط عمليات تسجيل الملكية. استخدم هذا القانون لأول مرة في عام 1858 في أوستراليا. وقد تم تطويره من قبل السير «روبرت تورين» بغرض «تعزيز الثقة بعمليات انتقال ملكية الأرض وتبسيط المعاملات المتعلقة بها». لكن عند تقديمه في الولايات المتحدة، تحوّل هذا القانون إلى ثغرة سمحت للأطراف الثالثة بإزالة العائلات قسراً من ممتلكاتها من خلال عمليات دعاوى التقسيم (المذكورة سابقاً).
43.4% من الأميركيين الأفارقة يملكون منازل خاصّة بهم، في مقابل 72.1% للبيض

إذ سمح قانون «تورين»، والقوانين الأخرى المتعلّقة به ببيع الأراضي من دون إخطار أفراد الأسرة أو غيرهم من المالكين المشتركين للأرض. بمجرد إجراء عملية البيع، والنُظم المرتبطة بقانون «تورين» تحمي المشتري من المالكين الذين لا يعرفون بأمر البيع، أو لا يوافقون عليه. بشكل عام، سمح قانون «تورين» بتثبيت عمليات البيع التي تحصل من دون علم جميع الورثة، ما سهّل عمليات سلب الأراضي من الأميركيين الأفارقة.

البيع بسبب الضرائب
ترتفع قيمة الأرض في المناطق التي تتميّز بالطلب العالي عليها. والكثير من الأراضي التي كانت ملكاً للأميركيين الأفارقة كانت تقع في المناطق السياحية على طول سواحل الشمال وجنوب كارولاينا، أي أن الطلب على هذه الأراضي كان مرتفعاً، وهو ما زاد قيمتها. لذلك عمدت الحكومات المحليّة في هذه الأماكن إلى رفع الضرائب على الأراضي، بشكل يتناسب مع قيمتها. ومعظم الأميركيين الأفارقة كانوا من أصحاب الدخل المحدود، وهو دخل كان منخفضاً أيضاً، لذلك عانى الكثير من هؤلاء من عدم القدرة على سداد الضرائب المترتبة على ممتلكاتهم. في هذه الحالة، كانت الحكومات المحليّة تضع العقارات في مزادات علنية، حيث كان يشتريها المطوّرون العقاريون البيض. وبذلك كانت تنتقل ملكية أراضي الأميركيين الأفارقة إلى الأميركيين البيض رغماً عن إرادتهم.