خلال القرون الأربعة أو الخمسة الماضية، أعادت الرأسمالية تشكيل العالم من خلال تحويل كل العلاقات إلى تبادل سلع. صعدت الرأسمالية من «الموت الأسود»، أي من جائحة الطاعون الدبلي، الذي اجتاح أفريقيا وأوراسيا بين عامَي 1346 و1353. والمعروف عن الطاعون أنه تسبّب بالجائحة الأكثر فتكاً في تاريخ البشرية، إذ أدّى إلى وفاة ما بين 75 مليون شخص و200 مليون في أوراسيا وشمال أفريقيا. تُلاحظ محطة الـBBC البريطانية أن «الاتجاه العام لفترة ما بعد القرنين الرابع عشر والخامس عشر، كان في تركّز الموارد - رأس المال والمهارات والبنى التحتية - في أيدي عدد صغير من الشركات الكبيرة». وهذه العملية مستمرة حتى يومنا هذا.

الرأسمالية تحوّل كل شيء، حرفياً كل شيء، إلى سلعة. بنفس الطريقة التي حوّلت فيها العمل البشري إلى «قوّة العمل»، بحيث أصبح الناس يبيعون أنفسهم كما يبيعون أي شيء آخر. الرأسمالية حوّلت الطبيعة إلى سلعة. يُشير جيسون مور في كتابه «صعود الطبيعة الرخيصة» إلى أن «حالة صعود الرأسمالية كانت عبر خلق الطبيعة الرخيصة». ويُضيف: «لكن إذا كان الشيء رخيصاً، هذا لا يعني أنه مجانياً».
على مدى القرون القليلة الماضية، نهب الرأسماليون السكر والقطن والمنسوجات وكذلك الفحم والحديد والنفط. لقد سارت هذه العملية بالتوازي مع نهب العمال والعبيد. يتجلّى ذلك في التحوّل الذي طرأ على المشهد العالمي. مثل إزالة الغابات، الزراعة الصناعية، الامتداد العمراني الضخم في الضواحي، التعدين اللانهائي للذهب والفحم والجاديت، الانسكابات النفطية في البحر، حوادث ناقلات النفط، وانفجارات الألغام. وينعكس هذا كلّه في زيادة ظاهرة الاحتباس الحراري، وعدد العواصف، وارتفاع مستوى سطح البحر، والفيضانات، وفقدان التنوّع البيولوجي، وتحمض المحيطات وتلوث المياه واستنفاد طبقة الأوزون.
على مدى القرون القليلة الماضية نهب الرأسماليّون السّكر والقطن والمنسوجات وكذلك الفحم والحديد والنفط


لا يمكن للمرء إلا أن يتساءل عن عدد المؤتمرات البيئية التي سنضطر لأن نجريها حتى يقبل المسؤولون التنفيذيون في الشركات، والبيروقراطيون الحكوميون، وأعضاء جماعات الضغط والأفراد التابعون لهم، التخلّي عن الربح قصير الأجل في مقابل البقاء على المدى الطويل... إن لم يكن لأجلهم فلأبنائهم وأحفادهم.
البلدان الغنية ذات الانبعاثات العالية بسبب الوقود الأحفوري - بقيادة الولايات المتحدة - لا تحتاج إلى خفض الانبعاثات وإنهائها فحسب، بل أيضاً إلى تقديم تعويضات للبلدان ذات الانبعاثات المنخفضة التي تضررت بسببها. والشركات - بما في ذلك مجالس إداراتها - والسياسيون، بحاجة إلى أن تتم محاسبتهم على أفعالهم السيئة.
ومع ذلك، إذا لم تتم معالجة نظرة الرأسمالية إلى القيمة الأساسية للسلعة، لن تتم معالجة الأزمة البيئية العالمية.

* هذا النص هو جزء من مقال نُشر على موقع counterpunch.org في 18 تشرين الثاني 2021