حقّقت أكبر ثلاث شركات تعدين في أستراليا، المصدّر الأكبر للمعادن الخام في العالم، أرباحاً بقيمة 39 مليار دولار خلال 12 شهراً تنتهي في آذار 2021. سبب هذه الطفرة الكبيرة في الأرباح يعود إلى ارتفاع أسعار المعادن الخام في ظل تنامي طلب الدول المصنّعة ولا سيما الصين التي وسّعت استثماراتها في هذا القطاع حول العالم من أجل ضمان حصولها على الموارد اللازمة لصناعاتها.

تركّز إنتاج شركات التعدين في أستراليا، بالتوازي مع تركّز الطلب على المعادن في الصين، كان له أثر كبير على السوق في ظل اتهامات أسترالية للصين بأنها مصدر فيروس كورونا، إذ ارتفعت أسعار الحديد والخام بسبب المخاوف من توقف التجارة بين البلدين إثر تطوّر الإشكال بينهما ثم أضيف إلى ذلك تبلور صورة أوضح عن التحوّل العالمي نحو الطاقة المتجددة التي تستند بشكل أساسي إلى معادن مثل الليثيوم والنحاس، ما أدّى إلى ارتفاع أسعارها هي أيضاً. الطلب الاستهلاكي عموماً كانت له حصّة في مصدر تنامي هذه الأرباح لأنه رفع الطلب على المواد الأولية.
كانت شركات التعدين الطرف الأكثر استفادة من هذا الوضع. فقد حصلت على إيرادات كبيرة، وازداد النقد في محافظها


بشكل أساسي، إن تسارع وتيرة التحول نحو الطاقة الخضراء، يخلق تسارعاً موازياً في ارتفاع أسعار الليثيوم والنحاس، كما أن الارتفاع المفاجئ في إنتاج الصين من الحديد المصنّع وبلوغه مستويات قياسية في أيار الماضي (88.45 مليون طن) انعكس ارتفاعاً في سعر الحديد الخام.
كانت شركات التعدين الطرف الأكثر استفادة من هذا الوضع. فقد حصلت على إيرادات كبيرة، وازداد النقد في محافظها حتى إنها صارت تفكر في استثمار هذه الأموال مستقبلاً. فعلى سبيل المثال، قرّرت شركة BHP أن تستثمر 5.7 مليارات دولار من أرباحها في أوّل حقل بوتاسيوم ستنشئه، أما شركة Rio Tinto فقررت استثمار 2.4 مليار دولار من أرباحها في أوّل حقل ليثيوم لها. وتعهّدت شركة Fortescue باستثمار 600 مليون دولار من أرباحها في مشاريع الطاقة النظيفة. وتُرجمت كل هذه التطورات، في ارتفاع أسعار أسهم شركات التعدين. فبحسب تقرير عن هذا القطاع، أصدرته شركة PWC في حزيران الماضي، ازدادت القيمة السوقية لأكبر 40 شركة تعدين خلال السنة المالية للعام الحالي 2021 (تنتهي في نهاية آذار 2021) بنسبة 64% وبلغت قيمتها 1.46 تريليون دولار. هذا الأمر جذب المستثمرين في القطاع المالي لشراء أسهم هذه الشركات، متوقّعين استمرار تحقيق الأرباح في الأشهر المقبلة، وبالتالي ارتفاع أسعار أسهمها.  


أرباح شركات التعدين مرتبطة بشكل مباشر بالتطورات في أسواق المعادن وخصوصاً لجهة محاولة الصين استخدام مخزونها الاستراتيجي من الحديد الخام بهدف خفض الأسعار، أو خفض إنتاجها من الحديد المصنّع انسجاماً مع التزاماتها البيئية المتمثّلة، أو حصول اختراق تكنولوجي في تقنيات البطاريات يخفّف الاعتماد على الليثيوم مثلاً. لكنّ هناك مخاطر أخرى متصلة بالضرائب التي يمكن أن تُفرض على شركات التعدين بعدما فتحت العيون على الريع الخيالي الذي تجنيه من مناجم التعدين. بعض الدول في جنوب أميركا، مثل تشيلي وبيرو، تدرس مشاريع لرفع الضرائب على أرباح شركات التعدين بشكل كبير.

اقرأ دراسة «مسألة التغيير في لبنان: جدليّة الخارج والطائفيّة السياسيّة والاقتصاد غير المُنتج» هنا.