بحسب الإحصاءات التي ينشرها مصرف لبنان، فإن صافي الأصول الأجنبية لدى المصارف التجارية سجّل في نهاية تشرين الأول 2020 نتيجة سلبية (عجزاً) بقيمة 2.87 مليار دولار. هذا العجز ناجم عن ارتفاع في قيمة الالتزامات المترتّبة على المصارف في الخارج مقارنة مع الأصول المتوافرة لديها، وهو يأتي بعد عجز امتدّ على 15 شهراً متتالياً ابتداءً من شهر آب 2019. هذه الفترة الممتدة بين الفصل الأخير من السنة الماضية ولغاية اليوم، كانت حرجة جداً وتعكس حقيقة الإفلاس المصرفي، لكن تطوّر هذا المؤشر ابتداءً من مطلع عام 2017 يشير بوضوح إلى نتائج الفخّ الذي نصبه مصرف لبنان من أجل استقطاب الأموال، والذي وقعت فيه المصارف بإرادتها التامة، رغم أنه كان لديها الخيار في تجنّبه والحفاظ على أموال المودعين.
أنقر على الرسم البياني لتكبيره

في نهاية كانون الثاني 2017 كانت قيمة صافي الأصول الأجنبية لدى المصارف تسجّل فائضاً بقيمة 4.41 مليارات دولار. وكان هذا الفائض يستمرّ بالزيادة إلى أن بلغ حدّه الأقصى في نهاية أيار 2017 مسجلاً ما قيمته 7.08 مليارات دولار. يومها كانت قيمة المطلوبات المستحقة على زبائن المصارف تساوي 13.46 مليار دولار، وكانت قيمة الالتزامات المترتّبة على المصارف تبلغ 6.37 مليارات دولار. هذا الفائض أتى بعد بضعة أشهر على إطلاق مصرف لبنان الهندسات المالية التي أغرت المصارف بفوائد هائلة على الدولارات التي توظّفها أو تودعها لدى مصرف لبنان. يومها غالبية المصارف أطلقت منتجات مصرفية لاستقطاب الأموال تمتدّ لسنة، أي أنها كانت تستحق في حزيران 2017 وتموز 2017 أيضاً. ما حصل في هذين الشهرين لم يكن مفاجئاً، ففي شهر حزيران خسرت المصارف من هذا الصافي نحو 1.9 مليار دولار، وفي الشهر الذي يليه خسرت منه نحو 1.6 مليار دولار. واستمرّ هذا النزف لغاية نهاية تشرين الثاني من السنة نفسها. وفي نهاية كانون الأول 2017 لم يبق من الفائض الذي كان موجوداً في نهاية أيار، إلا 3.82 مليارات دولار.
واستمرّ صافي الأصول بالتدهور خلال الأشهر الخمسة الأولى من عام 2018 إلى أن انحدر في نهاية حزيران ليبلغ 1.38 مليار دولار. في ذلك الشهر خسرت المصارف من الصافي ما قيمته 1.1 مليار دولار. بهذه السرعة بدأت المصارف تفقد سيولتها الأساسية، أي الدولارات الحقيقية التي تملكها، لكنها كانت تعوّض بعضاً من هذه الخسائر في السيولة خلال الأشهر التالية وبوتيرة بطيئة وبأحجام غير متناسبة، إلى أن بدأت الخسارة تتراكم فعلياً ابتداءً من شهر كانون الثاني 2019. فباستثناء شهر آذار من تلك السنة، لم يسجّل صافي الأموال الأجنبية لدى المصارف أي زيادة، بل كانت جميع الأشهر تنطوي على خسائر في السيولة الدولارية. وفي أيار 2019 بلغت هذه السيولة نتيجة سلبية بقيمة 0.21 مليار دولار. عملياً لم يكن لدى المصارف سوى مبلغ 210 ملايين دولار في محافظها الخارجية. كانت أوضاعها بهذه الدرجة من السوء. فقد كانت التزاماتها تجاه المصارف المراسلة تحافظ على مستوى محدّد مقابل تدهور في قيمة أصولها أو (المطلوبات من غير المقيمين).
واستمرت النتيجة السلبية بالظهور في صافي الأصول، لتبلغ حدّها الأقصى المسجّل حتى الآن، في حزيران 2020 بنحو 3.16 مليارات دولار. وبلغت في نهاية تشرين الأول الماضي 2.87 مليار دولار.
في الواقع، لم تتوقف الهندسات المالية طوال أعوام 2016 و2017 و2018 وفي مطلع عام 2019 أيضاً. لكن ما كان يحصل هو نفسه الأمر الذي يطرأ على «هرم الاحتيال»، أي أن إدارة الهرم تصبح في أقسى حالات استجرار المزيد من الأموال، علّها توقف نزف الثقة الذي تتعرض له وتوقف سحب الأموال منها. فما كان يحصل هو أن استحقاقات الأموال التي وُظّفت في الهندسات، كانت تُحوّل إلى الخارج إلى جانب التزامات أخرى على المصارف متعلقة بتغطية اعتمادات الاستيراد وتحويلات العاملين الأجانب في لبنان وسواها. وفي الوقت نفسه، كانت قدرات المصارف على جذب المزيد من الأموال، تتقلّص أكثر فأكثر. بمعنى ما، إن الذين شاركوا في الهندسات المالية في عام 2016 هربوا بعد سنة، أو سنتين كحد أقصى، بينما الذين شاركوا في الأشهر الأخيرة من عام 2018 والأولى من عام 2019 علقوا ولم يعد بإمكانهم الحصول على أموالهم إلى جانب أولئك المودعين الذين صدّقوا أكاذيب من نوع «لا داعيَ للقلق» و«الليرة بخير»... الأزمة كانت واضحة، وهي مستمرّة. لو كان هناك قضاء عادل ونزيه وشفّاف، لكانت المصارف أفلست منذ زمن من مئات الدعاوى المرفوعة ضدّها بدليل أنها تعاني من عجز السيولة وليست لديها القدرة على السداد.

اشترك في «الأخبار» على يوتيوب هنا