في هذا الرسم البياني تظهر أنماط مختلفة لتطوّر سعر الليرة مقابل الدولار والخسائر اللاحقة بها. كما تظهر أن هذه هذه التقلبات الحادّة أو المستقرّة في سعر الصرف جاءت متزامنة مع تطوّرات وظروف أمنية. - في المرحلة الممتدة من تموز 1982 ولغاية مطلع 1983 (مرحلة الاجتياج الإسرائيلي وما تلاها) تحسّنت قيمة الليرة اللبنانية عكس ما يُعتقد، وهناك الكثير من التفسيرات حول أسباب هذا التحسّن المرتبط بتدفّق الأموال من الخارج.
أنقر على الرسم البياني لتكبيره

- في المرحلة الممتدة من شباط 1983 لغاية 31/12/1987، تعرّضت الليرة اللبنانية لأكبر حجم خسائر تزامناً مع ارتفاع قيمة الدولار. وفي هذه الفترة قفز سعر الدولار من 4.26 ليرة ليبلغ 498 ليرة. تطلّب الأمر كلّ هذه الخسائر (المشار إليها باللون الأحمر) ليرسو الأمر على معادلة واضحة في اعتماد وحدة القياس وتالياً التسعير: التخلّي عن الليرة اللبنانية واستبدالها بالدولار. طبعاً كان هناك الكثير من التطورات السياسية والأمنية في هذه الفترة.
- في الفترة الممتدّة من نهاية 1988 ولغاية آب 1990، عادت الليرة لتتحسّن أو على الأقل تستقرّ ضمن هامش محدود من التقلّبات (استقرار هشّ) وإنّما على سعر صرف تراوح بين 400 ليرة مقابل الدولار و771 ليرة في نهاية الفترة. لكن اللافت أن في بداية هذه الفترة، وتحديداً بين نهاية 1989 وآذار 1988، حققت الليرة تحسّناً ثمة أسباب واضحة له. فمن بعد كل هذه الضربات على مدى أكثر من خمس سنوات، استُعيد بعض من الثقة لأن خسائر الليرة كانت كبيرة وأتاحت دخول أموال جديدة موّلت عمليات شراء الأصول بعدما تدنّت أسعارها لتصبح بخسة الثمن. هذا بالتحديد ما يحصل لاستعادة الثقة وهذا هو النمط الذي يمكن انتظاره في الموجة الحالية من التقلّبات الحادة لسعر الصرف.
- في الفترة التالية، ولمدّة شهرين (تشرين الأول 1990 وتشرين الثاني 1990)، تحسّنت الليرة بفعل «حقنة» ثقة لم تدم طويلاً تلتها خسائر في الليرة لثلاثة أشهر ثم انتهت بحفلة مكاسب مشابهة للنمط السابق من المكاسب المكتسبة بفعل حقنات الثقة التي تأتي بعد تدهور هائل في الأوضاع السياسية والأمنية والنقدية.
- موجة الخسائر التالية التي تعرضت لها الليرة كانت في الفترة التي سبقت وصول المرحوم الراحل رفيق الحريري إلى الحكم. بدأت هذه المرحلة في شباط 1992 ولغاية أيلول 1992. بعدها يُظهر الرسم البياني بوضوح (الخطّ الأخضر) المكاسب التي حققتها الليرة، إنما كان سعر الصرف قد بلغ حدّه الأقصى أو ما معدّله الشهري 2527.75 ليرة مقابل الدولار الواحد.
طبعاً يمكن قراءة هذه المراحل بشكل تفصيلي بالتزامن مع التطوّرات السياسية والأمنية، إنما الأمر الأساسي فيها أنها تنطوي على أنماط ثابتة وواضحة من ارتفاع سعر الدولار واستقراره الهشّ في سياق حقنات الثقة التي يستفيد منها أصحاب الأموال لشراء الأصول بأسعار بخسة. اليوم تظهر أهمية هذه القراءة لمعرفة ما ينتظر لبنان وسعر صرف الليرة وتضخّم الأسعار، ومن سيدفع كلفتها. من الواضح أننا لا نزال في البداية وليس واضحاً إذا كانت هناك قدرة أو رغبة لكبح جماح هذه التطوّرات وامتصاص آثارها الاجتماعية والأمنية.