أصدرت إدارة الإحصاء المركزي مؤشّر الأسعار لشهر كانون الأول 2019 والذي أظهر أن التضخّم بلغ في هذا الشهر وحده 6.96% مقارنة مع كانون الأول 2018. وبذلك، يكون المعدّل الوسطي لتضخّم الأسعار خلال عام 2019 بكامله، بلغ 2.88%.كثيرون لم يصدّقوا هذه النتيجة كونها لا تتلاءم مع المعطيات السوقية التي تشير إلى ارتفاع هائل في أسعار عدد كبير من السلع خلال الأشهر الأخيرة من السنة الماضية. لكن الأمر الذي يُبنى عليه هو نتائج الشهر الأخير بحسب الخبير الاقتصادي كمال حمدان. يعتقد أن اتجاه الأسعار نحو الارتفاع بدأ يظهر، وإنما هناك عوامل كثيرة تجعل النتيجة التي خلص إليها المؤشّر واقعية، وأبرزها أن هناك بنوداً كثيرة للإنفاق مسعّرة بالليرة اللبنانية من سلع وخدمات مثل السكن والمحروقات والاتصالات وسواها، وهذه السلع والخدمات لها وزن كبير في المؤشّر.
عملياً، جاءت نتيجة المؤشّر لتكشف عن ارتفاع أصاب المشروبات الروحية والتبغ والتنباك بنسبة 26.75%، والأثاث والتجهيزات المنزلية وصيانة المنازل بنسبة 17.96%، والألبسة والأحذية بنسبة 17.36%، والنقل بنسبة 14%، والاستجمام والتسلية بنسبة 11.53%، والمواد الغذائية والمشروبات غير الروحية بنسبة 9.77%.

أنقر على الرسم البياني لتكبيره

إذاً، تضخّم الأسعار متركّز في بعض السلع والخدمات، وهو سيظهر على شرائح دخل محدّدة. فالإحصاءات تشير إلى أنه كلما كان الدخل منخفضاً كان الأثر أكبر على استهلاك المواد الأساسية مثل المواد الغذائية والمشروبات والتبغ والمسكن والصحّة. وهذه المواد والخدمات تستحوذ على حصّة كبيرة من المؤشّر، فعلى سبيل المثال إن أصحاب الدخل الأدنى (الحد الأدنى للأجور) يستهلكون 25.6% من دخلهم على المواد الغذائية والمشروبات غير الروحية في مقابل 16.3% لمن تبلغ رواتبهم 3 ملايين ليرة. أما المسكن والماء والكهرباء والغاز فحصّتها من استهلاك ذوي الحدّ الأدنى للأجور 36.9% مقابل 26.3% لمن تبلغ رواتبهم 3 ملايين ليرة. الصحة كذلك الأمر، فهي تستهلك 12.5% من رواتب الحد الأدنى للأجور مقابل 5.28% لمن تفوق رواتبهم 3 ملايين ليرة.
من جهة ثانية، إن انخفاض قيمة الليرة مقابل الدولار، لم يدم لفترة كافية حتى ينعكس على الأسعار بشكل واضح. فعلى اعتبار أن حصّة استيراد السلع والخدمات من سلّة الاستهلاك تبلغ 40%، يتوقع أن يؤدي انخفاض قيمة الليرة بنسبة 42%، أي من 1507.5 وسطياً إلى 2150 ليرة وسطياً، إلى تضخّم الأسعار 26%.
لكن كيف ينعكس هذا الأمر على شرائح الدخل؟ بحسب الأرقام الصادرة عن الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي، فإن الأجر الوسطي يبلغ 1.750 مليون ليرة. وهناك 67.4% من الأجراء رواتبهم أقل من المعدل الوسطي، وهؤلاء سيكونون أكثر المتأثّرين بارتفاع الأسعار بعدما تآكلت رواتبهم بنسبة 26%. الأثر على هذه الفئة سيتركّز في بنود الاستهلاك الأساسية من مواد غذائية ومشروبات وتبغ وصحة ومسكن كهرباء وغاز، أي البنود التي لها أوزان مرتفعة من سلّة استهلاكهم خلافاً لما سيحصل لمن يتراوح دخلهم بين 3 ملايين ليرة وأكثر من 10 ملايين ليرة ونسبتهم 15.9% من مجمل الأجراء. هذه الفئة الأخيرة لن تخسر جزءاً كبيراً من دخلها، ولا سيما أولئك الذين تفوق رواتبهم 5 ملايين ليرة وهم قلّة نسبتهم 7.5% من مجمل الأجراء المصرّح عنهم. كما أن الأثر الناتج من تقلبات أسعار صرف الليرة سيكون على السلع ضعف ما هو على الخدمات.
«هذا المسار بدأ" بحسب حمدان. يعتقد أن مفاعيل أزمة انخفاض قيمة الليرة بدأت تنعكس على الأسعار، لكنه يشير إلى أن نتائج ارتفاع أسعار الدولار ستكون أوضح في الأشهر المقبلة، لأن الأسعار لا ترتفع أوتوماتيكياً فضلاً عن أن مؤشّر الأسعار مرتبط بسلّة واسعة من السلع والخدمات بعضها لم يشهد ارتفاعاً بعد.
أياً يكن الحال، فإن أثر التضخّم على شرائح الأجور سيخفض تصنيف الكثير من العائلات إلى ما دون خطّ الفقر الأعلى المحدّد بنحو 1.5 مليون ليرة شهرياً. الفئة التي ستصاب بالفقر هي الفئة التي تتقاضى رواتب أقل من 3 ملايين ليرة، بينما الفئات التي تتقاضى رواتب أقلّ ستصبح في حالة فقر مدقع. «هذا مسار خطير وسيستمر. ربع الدخل أو خمسه سيتبخّر. ستكون لهذه التطوّرات نتائج اجتماعية خطيرة وكارثية، وخصوصاً عندما تكتمل مفاعيل تدهور الليرة على كلفة المعيشة. نحن في الأساس نعاني من أوجه لامساواة هائلة وما يحصل سيزيد من سوء توزيع الدخل» يقول حمدان.