استمرّ نزف السيولة بالعملات الأجنبية عام 2018، من خلال عجز ميزان المدفوعات الذي بلغ 4.8 مليار دولار، وفقاً لأرقام مصرف لبنان، التي تعتمد على منهجية معدّلة لتجميل الحسابات وهي مخالفة للمنهجية المعتمَدة في معظم دول العالم. أمّا العجز الفعلي من دون التعديلات المعتمدة على هذه المنهجية فتجاوز 6 مليارات دولار. وبمعزل عن المنهجية المعتمدة والنتيجة، يبقى الأكيد أن ميزان المدفوعات سجّل خلال هذه السنة عجزاً قياسياً تاريخياً. تركت هذه التطوّرات بصمتها على ودائع القطاع الخاص في المصارف اللبنانية. ووفق الأرقام التي ينشرها مصرف لبنان لميزانيات المصارف المُجمّعة، ارتفع إجمالي ودائع القطاع الخاص في المصارف اللبنانية من 168.6 مليار دولار أميركي في نهاية 2017 إلى نحو 174 مليار دولار أميركي في نهاية 2018، أي بزيادة نسبتها 3.2%.

عمليّاً، يمكن القول إن هذه الزيادة الاسمية الضئيلة تعكس حركة انسحاب فعليّ للودائع المصرفية. فارتفاع الودائع بنسبة 3.2%، حصل مع متوسّط فائدة بلغ 5.15% للودائع بالدولار و8.3% للودائع بالليرة، كما في نهاية 2018. بمعنى آخر، إن الزيادة في حجم الودائع كانت أقلّ بكثير من الفوائد التي جنتها هذه الودائع خلال السنة الماضية، ما يعني أن القطاع المصرفي لم يكن يشهد مراكمة فعليّة للودائع بل حركة سحوبات.
أمّا قروض المصارف للقطاع الخاص فشهدت بدورها تراجعاً وفق أرقام مصرف لبنان، من 57 مليار دولار في 2017 إلى 55.12 مليار دولار في 2018، أي بنسبة 3.4%. إلّا أن هذه النسبة لا تعبّر عن حجم التراجع الفعلّي في القروض الممنوحة، إذ أن جزءاً كبيراً من المديونية هو فعلياً فوائد استحقّت على القروض خلال هذه السنة، ما يعني أن حجم التراجع سيكون أكبر من دون احتساب هذه الفوائد. وقد بلغ متوسّط هذه الفوائد 9.97% للقروض بالليرة و8.57% للقروض بالدولار.
على الرغم من كل هذا التراجع، نجح القطاع المصرفي في رفع مستوى موجوداته من 219.86 مليار دولار في 2017، إلى 249.48 مليار دولار في 2018، أي بزيادة نسبتها 13.47%!
فمن أين تحقّق هذا النمو في ميزانيات المصارف، خصوصاً أن أبواب النشاط العضوي والطبيعي للمصارف، وتحديداً الودائع التي تشكّل مصدر التمويل الأساسي، لم تشهد هذا الارتفاع خلال 2018؟
خلال هذه السنة، ارتفعت توظيفات المصارف لدى مصرف لبنان من 103.41 مليار دولار في 2017 إلى ما يقارب 130.21 مليار دولار في 2018، أي بزيادة بنسبة 26%، وارتفاع قدره 26.8 مليار دولار. أيضاً، ارتفعت قروض مصرف لبنان لصالح المصارف، من 11.75 مليار دولار في 2017 إلى 32.28 مليار دولار في 2018، أي بارتفاع قدره 20.53 مليار دولار ونسبته 174%!
هكذا، استمرّت ميزانيات المصارف وأرباحها بالتضخّم كمّياً، من خلال استمرار النسق القائم على تضخيم توظيفاتها في مصرف لبنان، وتوسيع استفادتها من قروضه في الوقت نفسه، في إجراءات «استثنائية» متتابعة منذ بداية الأزمة. وبالتالي، يثابر القطاع على تحقيق نموّ هائل في الموجودات لا يتعلّق بنشاطه العضوي والطبيعي في مجال تلقّي الودائع ومنح التسليفات، بل من خلال نشاطات غير تقليديّة مع وعلى حساب القطاع العام.