لم تكن بورصة بيروت بمنأى عن التراجع الذي أصاب مختلف المؤشّرات المالية والاقتصادية في الفترة الأخيرة، لكونها تحمل ببنيتها العوامل التي تجعلها تتأثّر بالأزمة الحالية بقوّة. منذ نشأة بورصة بيروت، تسيطر قطاعات المصارف ومواد البناء والتطوير العقاري (سوليدير تحديداً)، على الأسهم المتداولة فيها، وهو ما يفسّر تأثّرها تلقائياً بالمشاكل التي تطاول اليوم القطاع العقاري والثقة بسلامة نموّ القطاع المصرفي.تعدّ رسملة سوق البورصة أحد المؤشّرات الذي تعتمده الأسواق لاحتساب قيمة إجمالي الأسهم المتداولة في البورصة في أي وقت. وبشكل عام، يعبّر هذا المؤشّر عن تحوّل على مستويين: أوّلاً في تغيير القيمة السوقية للأسهم المتداولة وفق عوامل العرض والطلب عليها، وثانياً في قيمة الأسهم الجديدة التي تضاف إلى سوق الأسهم بفعل تأسيس شركات جديدة أو إضافة أسهم جديدة إلى الشركات القائمة.
بدأت عوارض الأزمة تظهر في بورصة بيروت، وتتطوّر مع تطوّرها، بحيث برزت ضغوط كبيرة على مستوى العرض مع انسحاب عدد كبير من اللاعبين من سوق بورصة بيروت، وفقدان الثقة بمؤشّرات القطاعات التي تسيطر على الأسهم المتداولة في البورصة. فضلاً عن أن امتصاص السيولة من قِبل المصرف المركزي عبر خلق أرباح استثنائية من توظيفات المصارف لديه، كان يؤدّي دوراً في رفع الفوائد، وبالتالي زيادة جاذبية توظيف السيولة في الودائع المصرفية بدل المراهنة على أرباح أسهم البورصة. كذلك ساهمت في زيادة هذه الضغوط كلّها، النتائج الكارثيّة في ميزانيّات سوليدير لسنة 2017، التي أظهرت وجود خسائر بقيمة 118.5 مليون دولار وديوناً تناهز 860 مليون دولار.

على مستوى الرسملة، بدأ مسار الهبوط في بورصة بيروت منذ شباط/ فبراير 2017، إذ انخفضت من 12.41 مليار دولار إلى 11.4 مليار في كانون الأوّل/ ديسمبر 2017. ومنذ نيسان/ أبريل الماضي، بدأت تسجّل التراجع الأطول والأكثر حدّة لها، إذ انخفض مؤشّر رسملة سوق البورصة من 11.79 مليار دولار في نيسان/ أبريل إلى 9.66 مليار دولار حتّى بداية كانون الأوّل/ ديسمبر الحالي. بمعنى آخر، شهدت البورصة خلال تسع أشهر فقط خسائر توازي قيمتها نحو 18% من إجمالي قيمة الأسهم المتداول بها في مختلف القطاعات.
تعدّ بورصة بيروت ثاني أقدم بورصة في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، وهي تحتفل خلال سنتين بمرور مئة عام على تأسيسها، إلّا أنها لا تزال بعيدة عن لعب أي دور إيجابي في الاقتصاد اللبناني، نظراً لغياب أي شركة خدماتية أو سياحية أو صناعية عن لائحة الشركات التي يُتداوَل بأسهمها، ولغياب أي دور لها في توفير التمويل للمشاريع المنتجة من خلال سوق الأسهم.
فالمشاكل التي تطاول حجم الرسملة، اليوم، تعبّر عن ربط القطاعات المُهيمنة على الأسهم المتداولة في البورصة بطبيعة النموذج الاقتصادي والقطاعات التي أراد صنّاع القرار أن تكون «ريادية». وقد أدّت هذه المشاكل البنيوية إلى تقليص فعالية البورصة ودورها في الاقتصاد الحقيقي، مع تراجع نسبة رسملتها من إجمالي الناتج المحلّي إلى مستويات راوحت بين 22% و23% في السنوات الخمس الأخيرة، بينما تبلغ هذه النسبة 40% في البلدان المتوسّطة الدخل، وتتجاوز 59% في الأردن و61% في المغرب وفق أرقام البنك الدولي.
لا يمكن القول إن مشكلة بورصة بيروت ودورها اليوم قابلة للمقاربة بمعزل عن مشكلة أعمق تتعلّق بطبيعة النمط الاقتصادي السائد في لبنان. البحث عن دور البورصة وقدرتها على لعب دور الوسيط في توجيه الرساميل باتجاه منتج، يقتضي البحث أوّلاً عن سياسات قادرة على تحفيز هذا النوع من النشاط الاقتصادي. وبالتالي، من الممكن اعتبار هذه المؤشّرات عارضاً لمشكلة جذريّة أهمّ، لا مسبّباً بحدّ ذاته.