مع قرب اكتمال المرحلة الأولى من مشروع الريّ من الليطاني (المنسوب 800 متر)، تُطرح تساؤلات عمّا إذا كان لا يزال قادراً على تحقيق الأهداف المرجوة منه، في ضوء المتغيّرات الكثيرة التي أصابت نهر الليطاني نفسه واستخدامات الأراضي المُستفيدة منه وسكّان القرى والبلدات التي يشملها.هذه الإشكالية سيتناولها مؤتمر تحت عنوان «مشروع المنسوب 800 م: التحديات وسبل الاستفادة»، ينظّمه «المركز الاستشاري للدراسات والتوثيق»، بالتعاون مع اتحادي بلديات قضاء بنت جبيل وجبل عامل، في 27 و28 تشرين الثاني/ نوفمبر الحالي. وسيركّز المؤتمر على سبل رفع مستوى الاستفادة من هذا المشروع اقتصادياً واجتماعياً، والعقبات التي تعترضه، والسياسات الكفيلة بجعله صالحاً للنهوض بأوضاع المناطق المستفيدة منه.
تستند الورقة الرئيسية التي سيتمّ عرضها خلال المؤتمر إلى افتراضات ومعطيات وضعتها دار الهندسة، في عام 2001، قبيل بدء تنفيذ المشروع في ظلّ عوامل وظروف مختلفة عمّا هي عليه الآن. إذ يواجه المشروع اليوم، عوامل جديدة من التغيّر المناخي وشحّ المياه وانخفاض منسوب المياه وتفاقم أزمة التلوّث في نهر الليطاني، وصولاً إلى كثرة التعدّيات على ضفافه، بما يطرح علامات استفهام حول إمكان تحقيق الأهداف المرجوة منه فعلاً.
المصدر: جمعية مستوردي وتجّار مستلزمات الإنتاج الزراعي – 2016 | أنقر على الرسم البياني لتكبيره


وتشير هذه الورقة إلى أن الاستفادة القصوى من المشروع، أي تأمين 110 ملايين متر مكعّب (90 مليون متر مكعّب لريّ 14.700 هكتار من الأراضي الزراعية في الجنوب والنبطية، و20 مليون متر مكعب لتوريد المياه المنزلية إلى 105 قرى في المحافظتين نفسيهما)، بما يؤدّي إلى إحداث تغيير في أنماط الممارسات الزراعية ونظم الإنتاج وخلق فرص عمل جديدة، ترتبط بعوامل رئيسية، وهي توافر هذه الكمّيات من المياه، وأن تكون غير ملوّثة ومستدامة، فضلاً عن تأمين الإطار التنظيمي للاستثمارات الزراعية والتدريب الزراعي والاعتماد على الدراسات العلمية.
وفقاً لدراسة دار الهندسة، التي يُنفّذ المشروع على أساسها، يمكن أن يكون مشروع القناة 800 ذات جدوى مالية مع تطبيق معدّل خصم من 6 إلى 10%. ومعدّل الخصم هو مؤشّر يستخدم لتحديد القيمة الفعلية للنقد المالي السنوي بعد عشر سنوات. إلّا أن التحليل المالي المُعتمد في الورقة يبيّن أن المشروع سيكون غير مجدٍ مالياً بمعدّل خصم أعلى من 6%، علماً بأن معدّل الخصم الحالي هو 12% بالمقارنة مع عام 2001. كما تقدّر الدراسة القديمة عائدات بيع المياه السنوية بنحو 66 مليون دولار جرّاء بيع 110 ملايين متر مكعّب سنوياً من المياه، إلّا أن انخفاض سعر بيع متر المياه من 0.6 عام 2001 إلى 0.12 دولار حالياً، سيؤدّي وفقاً للدراسة الجديدة إلى تراجع الإيرادات المُقدّرة إلى 13.2 مليون دولار، فضلاً عن أن تنفيذه سيؤدّي إلى خسائر اقتصادية بنحو 13.3 مليون دولار نتيجة تحويل المياه من توليد الطاقة الكهرمائية إلى الريّ.
وفق الورقة «سيعمل المشروع على ريّ 14.700 هكتار من المساحات الزراعية التي لم يتم استكشافها بعد. وهو ما سيفتح الباب للاستثمار في هذه المساحات وزيادة إنتاج القطاع الزراعي نظرياً». وتحدّد الورقة المحاصيل المناسبة لزيادة الإنتاجية وتحسين استخدام الأرض وفقاً لطبيعة التربة ومناخ المنطقة وارتفاعاتها، إذ يتبيّن أن أكثر المحاصيل ملاءمة في محافظتي النبطية والجنوب هي «العنب والخوخ والنكتارين وأصناف الإجاص والتفاح الجديدة. وأن زراعة أنواع جديدة من الإجاص على الأراضي المروية الجديدة ستؤدّي إلى تحقيق أعلى ربح متوقّع، قد يصل إلى 132 مليون دولار سنوياً. وهو ما قد يزيد إنتاجية القطاع الزراعي بنسبة 11.7%». إلى ذلك، تقدّر الورقة صافي الربح السنوي بـ 120 مليون دولار، كما تقدّر متوسّط دخل المزارع الواحد سنوياً بنحو 8150 دولاراً، إذا افترضنا أن الحيازات الزراعية أو ملكية الأرض هي بحدود 10 هكتارات لكلّ مزارع، إلّا أن المتوسّط قد ينخفض إلى 4 آلاف دولار كون غالبية الحيازات الزراعية لا تزيد على 5 هكتارات للمزارع الواحد، أي 333 دولاراً شهرياً للمزارع الواحد وهو ما يعدّ أقل من الحدّ الأدنى للأجور.
أيضاً تبيّن الورقة أن هناك أثراً اقتصادياً مقدّراً بـ 282.3 مليون دولار سنوياً، نحو 42.3 مليون دولار ناتجة من المشروع الرئيسي أي «قناة 800» خلال مرحلة التشغيل (40 مليوناً كإنفاق سنوي و2.3 مليون كرواتب للعاملين)، ونحو 245 مليوناً ناتجة من مشروع الاستثمار الزراعي (126 مليوناً إنفاق سنوي و119 مليوناً دخل سنوي للمزارعين)، في حين تقدّر الأرباح الحكومية بـ 26 مليون دولار (5.3 ملايين من القناة 800 و20.7 مليون دولار من المشروع الزراعي) ستجبيها من الضرائب المباشرة وغير المباشرة على الرواتب (4.4 ملايين)، والضرائب المباشرة وغير المباشرة على الاستهلاك (21.6 مليون دولار). فضلاً عن 175.2 مليون دولار سنوياً كتأثير غير مباشر على الاقتصاد ناتجة من الآثار المترتبة على الأنشطة الاقتصادية المرتبطة والاستثمارات في المنطقة والنفقات العائلية (17.5 مليوناً من مشروع القناة 800 و157.7 مليون دولار من المشروع الزراعي).


القناة 800 هي عبارة عن مشروع ريّ يهدف إلى نقل المياه بواسطة الجاذبية من بحيرة القرعون إلى الجنوب اللبناني، إنطلاقاً من منسوب 800 متر فوق سطح البحر. يمتدّ المشروع من منطقة مشغرة في البقاع الغربي وصولاً إلى بلدة يارين في الجنوب، ويقع الجزء الأكبر منه في محافظة النبطية وتحديداً ضمن أقضية مرجعيون وحاصبيا وبنت جبيل. يتراوح إرتفاع المشروع بين 400 و800 متر وصولاً إلى 950 متراً في قضاء بنت جبيل. خصّص لمشروع القناة 800 حوالى 110 مليون م3 (نصف سِعة بحيرة القرعون) منها 90 مليون م3 للريّ و20 مليون م3 لمياه الشفّة.
المصدر: المصلحة الوطنية لنهر الليطاني | انقر على الصورة لتكبيرها


يقسم المشروع إلى مرحلتين:
ــ المرحلة الأولى تقضي بإنشاء القناة بأجزائها المختلفة: الناقل الرئيسي (قناة، أنفاق، قساطل) بطول 52 كلم، الناقل الفرعي بطول 56 كلم، 20 خزّاناً، منشآت كواسر الضغط (عدد 2)، 4 محطّات ضخّ، خزانّان متوازيان، بالإضافة إلى معمل كهرمائي في بداية القناة. بدأ تنفيذها في عام 2001 بتمويل من الصندوق الكويتي للتنمية.
ــ المرحلة الثانية تتضمّن تجهيز شبكات الريّ والشفّة لنقل المياه من الخزّانات إلى الأراضي الزراعية والقرى. الجدير بالذكر أن مساحة الأراضي المُقترحة للريّ تبلغ حوالي 13.300 هكتار (100 قرية)، أما مياه الشفّة فمن المُقترح إيصالها إلى 70 قرية.
تقدّر تكلفة البناء الإجمالية بـ 850 مليون دولار خلال المرحلتين، فيما تقدّر تكلفة التشغيل بـ40 مليون دولار سنوياً وتشمل التشغيل والإدارة والصيانة.
يهدف المشروع من الناحية الاجتماعية إلى استقرار السكّان في المنطقة وتقليل الهجرة إلى العاصمة وتحسين نوعية العيش، ومن الناحية الاقتصادية إلى خلق فرص عمل، وفرص استثمارية جديدة، وتحقيق نمو في إنتاج القطاع الزراعي، أمّا من الناحية المالية فهو يهدف إلى بيع 110 مليون متر مكعّب سنوياً، وتقدّر إيراداته السنوية بـ66 مليون دولار إذا كان المشروع يعمل بكامل طاقته.