العبودية في لبنان لا تتراجع، لا بل على العكس، تأخذ منحىً تصاعدياً متسارعاً خطيراً ومقلقاً، فبين عامي 2014 و2016، ارتفع معدّل ضحايا العبودية من 4.8 إلى 6.3 ضحية من بين كل ألف شخص مقيم في لبنان. وعلى الرغم من أن «الرقّ» يرفضه الجميع أخلاقياً، إلا أن سوق الإتجار بالبشر تزدهر وتدرّ أرباحاً ويتورّط فيها كثيرون، وتحوّل لبنان أكثر فأكثر، إلى كونه أحد أكثر البلدان خطورة على اللاجئين والمهاجرين والعمّال الأجانب والعاملات في الخدمة المنزلية وعاملات الجنس.وفق التقرير السنوي الصادر عن مؤسّسة Free Walk، الذي يرصد معدّلات العبودية الحديثة في 167 بلداً حول العالم. سجّل لبنان وجود 1.7 ضحية من بين كلّ ألف شخص في نهاية عام 2017، إلّا أن التقرير يُشكّك بهذا الرقم ولا يتبنّاه، بسبب وجود نقص في أكثر من ثلثي البيانات والمعلومات المطلوبة، ويرجّح أنه أعلى بكثير، خصوصاً أن لبنان سجّل في عام 2016 نحو 6.2 ضحية بين كل ألف شخص، أي أعلى من المتوسّط العالمي البالغ 5.4 ضحية، وأعلى من المعدّلات المُسجّلة في السنوات السابقة.
أنقر على الرسم البياني لتكبيره

لا يوجد في الواقع أي مؤشر يدلّ إلى تراجع معدّل «العبودية» في لبنان، فالسلطات تحافظ على سياسات «متسامحة» في سوق العمل، حيث يتم الإتجار بالعمالة ونقلها عبر الحدود أو استغلالها في المنازل والورش والشركات والخدمات السياحية والجنسية. ولم تقم هذه السلطات بأي تغييرات أو إجراءات جديّة للحدّ من تنامي «سوق الإتجار بالبشر». وهو ما تعزّزه الأرقام التي تنشرها مصادر مختلفة. إذ يشير تقرير الخارجية الأميركية حول الإتجار بالبشر، إلى أن للعبودية في لبنان أشكالاً مختلفة، فهي تشمل الخدمة المنزلية حيث يتم استغلال أكثر من 250 ألف عاملة غالبيتهن من بلدان جنوب شرق آسيا وشرق غرب أفريقيا، يخضعن لنظام الكفالة اللبناني الذي يصادر حريتهن ويعرّضهن للتعذيب وحجز الأجور وللاعتداءات الجسدية والجنسية. وكذلك، تنتشر العبودية في الإتجار الجنسي، ففي عام 2017 تم استقدام أكثر من 10 آلاف امرأة من بلدان أوروبا الشرقية وأفريقيا للعمل بصفة راقصات في النوادي الليلية، حيث يخضعن للاستغلال الجنسي والاعتداءات الجسدية والجنسية وحجب الأجور والعبودية المنزلية. ووفقاً لتقديرات «خطة العمل الوطنية لمكافحة عمل الأطفال في لبنان» يتم استغلال نحو 70 ألف طفل في العمل القسري في الزراعة، وهو معدّل يزداد باطراد منذ بدء تدفق اللاجئين السوريين إلى لبنان. وتقدّر وزارة الشؤون الاجتماعية اللبنانية عدد الأطفال الموجودين في الشارع بأكثر من 15 ألف طفلاً، يتم استعبادهم في التسوّل وتتردّد القوى الأمنية في اعتقال آبائهم أو مشغّليهم نتيجة الافتقار إلى الخدمات الاجتماعية لإيوائهم، فضلاً عن تزايد تجنيد الأطفال في الصراعات المسلّحة وارتفاع معدّلات الزواج القسري وخصوصاً بين اللاجئات السوريات كغطاء لإجبارهن على الدعارة.
يبيّن تقرير مؤسّسة Free Walk ارتفاع معدّلات التعرّض للعبودية في لبنان من 48% إلى 59% بين عامي 2016 و2018، بحيث يحتلّ لبنان المرتبة الرابعة بين البلدان العربية والـ44 في العالم، ويقيس هذا المعدّل نسبة الحاجات غير المؤمّنة واللامساواة في البلد والفئات الهشّة إلى مجمل السكان فضلاً عن تأثّر البلد بالصراعات. أيضاً تراجعت نسبة استجابة الحكومة لمعايير القضاء على العبودية، إلّا أن نسبة هذه الاستجابة تراجعت من 34% إلى 31.3% بين عامي 2016 و2018، التي تقيس نسبة خدمات الدعم المقدّمة للضحايا، والملاحقات والإدانات القضائية، بحيث يتبيّن أن لبنان يجرم بعض أشكال العبودية في حين يعاقب ويقاضي الضحايا ولديه أطر لتسهيل الإتجار بالبشر.
تعدُّ العبودية الحديثة أو ما يُعرف بالإتجار بالبشر إحدى أبرز القضايا العالمية الراهنة، وهي تقوم على استغلال الأفراد واستعبادهم، وتشمل الإتجار الجنسي (مثل البغاء والزواج القسري) والعمل الجبري (السخرة واستعباد المدين والاستعباد المنزلي وعمالة الأطفال أو تجنيدهم والتسوّل). ويأتي ارتفاع هذه المعدّلات في لبنان مترافقاً مع ارتفاعها في العالم، بنحو 12% منذ عام 2014. ووفقاً للتقرير، سجّل استعباد أكثر من 40.3 مليون شخص في العالم (71% من النساء و29% من الرجال) أي بمعدّل 5.4 ضحية للعبودية من بين كلّ ألف شخص في نهاية عام 2017. ويتوزّع ضحايا العبودية بين 24.9 مليون ضحية في العمل الجبري (16 مليون ضحية في العمالة المنزلية والبناء والزراعة، و4.8 مليون ضحية في الإتجار الجنسي، و4 ملايين ضحية في العمالة الجبرية من قبل السلطات الرسمية)، وبين 15.4 مليون ضحية في الزواج القسري، مع العلم أن ربع الضحايا هم من الأطفال.
في الواقع، تنتشر العبودية في كلّ مناطق العالم، إلا أن النسبة الأكبر تُسجّل في أفريقيا والشرق والأوسط وآسيا. وهي المناطق التي تُسجّل أعلى مستويات الفقر والهجرة واللاجئين والصراعات. ويتدفّق بين بلدان هذه المناطق وبينها وبين المناطق الأخرى العمّال المهاجرون الباحثون عن عمل، كذلك تتركّز فيها عمليات الشركات العالمية والمحلّية، التي تستغل ضحايا الاستعباد في بلادهم لإنتاج السلع، وأبرزها الأجهزة الإلكترونية والملابس وأحذية الرياضة والمُنتجات الزراعية (قصب السكر والكاكاو والأرز والكاجو والقطن)، والأسماك، والأحجار الكريمة، والسجّاد... ووفقاً لمنظّمة العمل الدولية، تدرَّ العبودية الحديثة أرباحاً سنويّة بمعدّل 150 مليار دولار، وتقدّر الأرباح المُحقّقة منها في الشرق الأوسط بنحو 8.5 مليار دولار، أي بمعدّل 15 آلاف دولار من كلّ ضحية. وهي تتوزّع بمعدّل 21.8 ألف دولار من كل ضحية مستغلّة في الإتجار الجنسي، و4.8 ألف دولار من العمل القسري في البناء والتصنيع والمناجم، و2.5 ألف دولار من العمل الجبري في الزراعة، و2.3 ألف دولار من الخدمة المنزلية.