تشير الإحصاءات المتوافرة على موقع «ستاتيستيكا» إلى وجود ما يقارب مليوني تطبيق إلكتروني على متجر آبل، ونحو 3.8 ملايين تطبيق على متجر آندرويد. وقد بلغت العائدات الإجمالية للتطبيقات المتاحة للعموم عبر السوقين نحو 60 مليار دولار أميركي في عام2017، مسجلة ارتفاعاً بنحو 35% عن النسبة المحققة في عام 2016، وتشمل هذه العائدات مجموع الأموال المنفقة، عبر الخدمات المدفوعة أو عبر عمليات الشراء خلال استخدام التطبيقات (بحسب تقرير أصدرته شركة Sensor Tower المتخصصة ببيانات التطبيقات).
انقر على الرسم البياني لتكبيره

وتُقدَّر قيمة إنفاق المستهلكين على تطبيقات الألعاب بنحو 105 مليارات دولار في عام 2021. وتراوح الفترة الزمنية اليومية التي يقضيها الأفراد مستخدمو إنترنت الوسائط المحمولة بين ثلاثة ساعات يومياً للشباب، أو ما يعرف بجيل الألفية، إلى 43 دقيقة للمستخدمين من المتقدمين في السنّ.
كيف تعمل التطبيقات (وتحديداً الخوارزميات التي تشغلها)؟ بدايةً، يمكننا التمييز بين ثلاثة أنواع أساسية: أولاً، هناك التطبيقات الخاصة بإدارة المحتوى المنتج من قبل المستخدمين، التي يمكن اختزالها بنماذج كفيسبوك وانستغرام وتويتر، على سبيل المثال لا الحصر. هنا يقتصر دور الخوارزميات أساساً على تحليل المحتوى الذي ينتجه المستخدم وتصنيفه، تمهيداً لعملية بيعه في ما بعد كبيانات للمعلنين. فتقوم هذه الخوارزميات بتنظيم شريط الأخبار (News Feed)، وعرض أفضل ما يمكن أن يستجلب انتباه المستخدم فيستفزه لينتج مزيداً من المضمون (تواصل اجتماعي) عبر النقر على أزرار التعبير، التعليق، كتابة ستاتوس، الانضمام إلى جماعات إلكترونية (صفحات) أو القيام بمحادثات جانبية. أما النوع الثاني من التطبيقات، فيمكن تسميته بمنصات التسوق الإلكترونية، مثل Amazon و Ali Express وEtsy و Pinterest، وهي مخصصة للقيام بالمشتريات الفردية، ويتركز دور الخوارزميات فيها على تقديم أفضل وأسرع العروض المتاحة للإجابة لطلبات المستخدمين ومشترياتهم، وهي تقوم، بناءً على ملف المشتريات الفردي، بعملية توقع واقتراح سلع جديدة، ما يساعد على تسريع عملية الشراء وتكثيفها. علماً أن هناك العديد من البرامج والأبحاث التي تقوم على تطوير خاصية التوقع عند هذه الخوارزميات، ما يمكّنها من بناء تصور مستقبلي عن الخيارات الاستهلاكية للأفراد حتى ما قبل ولوجهم للتطبيق. أما النوع الثالث، الذي سنستفيض في تقديم ونقاش طبيعة عمله، فهو التطبيقات التي تغيِّر شكل الخدمات كما عهدناها من خلال الاعتماد على خوارزميات قابلة للتعلم اللارادوي، بمعنى أنها تمتلك خاصية البحث عن المعطيات التي تحتاجها لفهم حالة معيّنة واعتماد الإجراءات اللازمة لمعالجتها واتخاذ القرارات بناءً عليها. هنا نتكلم عن تطبيقات مثل Deliveroo و Task Rabit و Uber التي سنعرض في ما يلي طبيعة التطبيق الخاص وميكانيزمات عمله وأدواره.

تطبيق أوبر؛ الشركة في جوالك
في أقل من عقد من الزمن تمكنت شركة أوبر من التربع على عرش صناعة النقل في العالم، لا بل نجحت في تطويع مختلف القوانين بما يتلاءم مع نموّ نموذج عملها وازدهاره. إلا أنها في علاقتها مع مختلف المستخدمين (السائقين والركاب)، تعتمد التطبيق الإلكتروني عبر نسختين منفصلتين لكل فئة على حدة كالوسيلة الأولى للتواصل وإدارة العمل في كل بقاع العالم.
بداية، لا بد من الحديث عن الامتداد الإداري الذي يشكله التطبيق للشركة. بمعنى أن التطبيق الذي يحمله السائقون يتضمن ما يشبه مكتباً تمثيلياً لقسم إدارة الموارد البشرية في الشركة، فهو المكان الذي يطلعون من خلاله على شروط العمل مع أوبر والمستلزمات الإدارية، بالإضافة إلى كونه البنية التي تبدأ عبرها علاقة العمل المفترضة وتنتهي (علماً أن السائق المفترض سيتطلب منه الحضور شخصياً لمركز الشركة لتقديم الأوراق الثبوتية والانتهاء من العملية التعاقدية). وهو الوسيلة التي تقوم الشركات عبرها بحملات الترويج لاستقطاب مزيد من السائقين عبر التعويضات المالية التي توفرها لسائقيها مقابل كل سائق جديد ينجحون بإقناعه للبدء بالعمل مع الشركة.

60 مليار دولار

هو مجمل عائدات التطبيقات المتاحة عبر متجري آبل وأندرويد في عام 2017


إلا أن التطبيق كبنية إلكترونية لا يشكل منفرداً ثورة نوعية في ميكانيزمات عمل الشركات، فالمواقع الإلكترونية متاحة منذ أكثر من عقدين من الزمن. الجديد مع أوبر هو التغير في طبيعة ودور الخوارزميات الكامنة في تطبيقها الإلكتروني، والتي تتحكم بجميع مفاصل الإنتاج والعمل. لنعطِ مثالاً لشخص يسعى للذهاب من مكان ما إلى آخر عبر خدمة أوبر. في البدء، سيعبّر هذا الراكب المفترض عن حاجته لسيارة تنقله عبر النقر على زر في تطبيق أوبر وفي خلال ثوانٍ يتلقى رسماً بيانياً يعرض عدد السائقين المتاحين وأفضل الخيارات المتاحة، مع شرح عن فترة الانتظار ومكان وجود السائق ونقطة الالتقاء، بالإضافة إلى التكلفة التي سيتكبدها مقابل هذه الخدمة. ويحصل الراكب أيضاً على فرصة الاطلاع على الملف الشخصي للسائق، بما يتضمن تقييمه المهني وتوصيات الراكبين السابقين، نوعية السيارة واسم السائق ورقماً للاتصال به. لا يستغرق هذا الأمر أكثر من ثلاثين ثانية عادة، وتختلف فترة الانتظار بين نقطة جغرافية إلى أخرى وبين وقت وآخر.
لكن ما الذي يحصل فعلياً في الثلاثين ثانية؟ الأمر كله تديره منظومة الخوارزميات الموصولة بالتطبيق، وبالتالي بالموقع الجغرافي للراكب. بكل بساطة، تحدد هذه المنظومة السائق الأفضل من بين السائقين المتاحين (الأقرب جغرافياً، والأفضل من حيث تاريخ الخدمة، خاصة إذا ما كان الراكب قد اشتكى سابقاً من مشاكل بعينها مع سائقين آخرين)، وترشحه مع تحديد التعرفة المطلوبة. هنا أيضاً، تلعب هذه المنظومة الدور المحوري في تحديد التعرفة من خلال قدرتها على تحليل مختلف بيانات الركاب والسائقين المتاحين بالاضافة إلى عوامل أخرى، كالطقس مثلاً، أو فترات الطلب الشديد، كالأعياد والمناسبات وعطل نهاية الأسبوع. هكذا، مثلاً، فإذا كنت تريد الانتقال خلال عاصفة ثلجية، تمكنك منظومة خوارزميات أوبر من الحصول على سيارة نقل في أقل من خمس دقائق في الوقت الذي يتطلب تأمين تاكسي تقليدي نحو ساعة، وهكذا يمكن أوبر أن تضمن ألا ينتظر الراكب وقتاً كثيراً في فترات الذروة. كل هذا يجري عبر منظومة الخوارزميات التي تدرس السوق وتتخذ الإجراءات التنفيذية المناسبة (مثل تقديم زيادات التعويضات المالية للسائقين الذين يتوجهون إلى منطقة محددة حيث يوجد طلب مرتفع) لاستمرار دفق العمل مهما كانت الظروف. من ناحية السائق، تُعلمه المنظومة بالموقع الجغرافي للراكب دون أي معلومة عن وجهته النهائية، وتعطيه ثواني معدودة للقبول أو الرفض.

الخوارزميات تراقب الخدمة وتُديرها
في اللحظة التي يدخل فيها الراكب إلى سيارة النقل، يتحول عمل المنظومة نحو تنظيم وإدارة العلاقة بين السائق والراكب حتى الوصول إلى المكان المقصود. هنا تقوم الخوارزميات بمهمة الإدارة المباشرة للخدمة المقدمة ومراقبة مستمرة لعمل السائق. هكذا يمكن السائق أن يتلقى تحذيراً مباشراً إذا ما كان يتخطى السرعة القصوى على الطريق الذي يسلكه، أو أن يجري تحذيره لمخالفته لخط السير الذي تقترحه الخوارزمية المعنية بهذا الشق من العمل. وتقوم بمهمة تعديل التعرفة إذا طرأ متغير ما وضمان استمرارية العمل بعد الانتهاء من الرحلة. هنا تبدأ مرحلة جديدة من طبيعة عمل منظومة الخوارزميات، إذ ينتقل دورها لضمان جودة الخدمات المقدمة، فهي المسؤولة عن تقييم نوعية عمل السائق عبر نظام تقييم الخمس نجوم الذي تتيحه للراكب، والذي بناءً عليه يجري تقييم الخبرة المهنية للسائق وإمداده بالمشورة والنصائح لتحسين طريقة قيادته ونوعية تواصله مع الزبائن. كذلك يلعب حيّزاً أساسياً في تحديد كمية الرحلات التي ستعرض لاحقاً على السائق موضوع التقييم، ونوعية تلك الرحلات. هذا بالإضافة إلى إرسال الإنذارات بالصرف أو إنهاء العلاقة التعاقدية مع الشركة.

يكمن الأمر كلّه في تلزيم إدارة العمل وشؤون العمال للماكينات، المتمثلة بمنظومات قادرة على التعلم وبناء المعرفة اللازمة

هكذا تجمع تقييمات الركاب وتوصياتهم وتتحول إلى ما يشبه خطة فردية لتحسين نوعية عمل السائق المعني، فيجري إعلامه بأمور كالحاجة لتنظيف السيارة أو التخفيف من نوعية معينة من الحديث مع الركاب أو ضرورة سؤال الركاب عن أنواع الموسيقى المحببة لهم. وتقوم الخوارزميات أيضاً بدراسة التوصيات لبناء استراتيجية تطوير القدرات التسويقية للسائقين حيث تعلمهم بأفضل الأساليب لاسترضاء الراكب وتأمين الراحة القصوى له/ها خلال فترات الخدمة، فهنا أيضاً يتلقى السائق نصائح كمثل ضرورة المحافظة على الابتسامة الدائمة واللباقة في التعاطي، بالإضافة إلى صوابية توفير خدمة تشريج الأجهزة الخلوية الخاصة بالركاب أو عبوات مياه معدنية تحديداً في أيام الحر وغيرها من النصائح. وتؤدي الخوارزميات مهمة قسم المحاسبة، حيث تحتسب مدخول السائق ومجمل معاملاته المالية، بالإضافة إلى المكافآت والاقتطاعات التأديبية. الأمر نفسه ينسحب على الركاب، فالتطبيق بالنسبة إليهم هو الوسيلة الوحيدة للحصول على خدمة التنقل من مكان إلى آخر بأسعار مناسبة وبطريقة لا يقومون بها بالدفع النقدي المباشر (Cashless). لكن هو أيضاً كاتالوج الخدمات المتاحة للشركة أو صالة عرض افتراضية لكل خدماتها، بالإضافة إلى كونه المركز الأساسي لخدمات ما بعد البيع وإدارة شؤون الزبائن.

مشرف عمل واحد
في زمن التطبيقات الإلكترونية، يكمن الأمر كلّه في تلزيم إدارة سير العمل وشؤون العمال للماكينات، متمثلة بمنظومات من الخوارزميات القادرة على التعلم وبناء المعرفة اللازمة لإدارة ملايين من البشر بين مستخدمين وعمال، يخضعون مباشرةً لسلطة وسيطرة «مشرف عمل» Supervisor واحد ووحيد يدعى الخوارزمية. في زمن أوبر وأقرانها من شركات المنصات الإلكترونية، السلطة كل السلطة هي للخوارزميات القابلة للتعلم التي تعلنها صراحة؛ الأمر لي!! فهي ربّ هذا النوع من الشركات، وهي الضامن الأساس للربحية. أما جموع المهندسين والمبرمجين التقنيين، فعملهم يمكن اختصاره بوضع الأسس التي تتيح لهذه البنى الإلكترونية القيام بمهمة التعلم واتخاذ القرارات التنفيذية المباشرة. في هذا السياق، هل ما زال بالإمكان الحديث عن العمال كقوة مشاركة في عملية الإنتاج؟ وهل يمكن لهم/ن تحدي سيطرة الماكينات؟ أسئلة تبقى مفتوحة لنقاش مستمر.