«هذه هي الأرزة الموجودة على العلم اللبناني»، يقول فريد طوق وهو يتوقف بسيارته إلى يمين الطريق المؤدية إلى مدرّجات التزلّج في منطقة الأرز. وبالفعل، تبدو واحدة من شجرات الأرز متقدمة على رفيقاتها في أوّل الصف، بضخامتها وفروعها المتعددة. «وكيف تعرف أنها الأرزة الموجودة على العلم؟». يضحك فريد «وكيف لا أعرف؟ كلّنا هنا في بشري يعرف ذلك».
لم يقرأ عن الأمر في كتاب تاريخ، ولا حتى في كتاب قراءة. العلاقة مع غابة الأرز، ومحيطها المقدّس، لا تترك لديه مجالاً للشك في ما يقوله عن قصة الأرزة. لفريد الكثير ليحكيه عن علاقته بالمنطقة، والأيام التي يمضيها بين جرودها صيفاً أو شتاء. القرنة السوداء محطة سنوية، وكذلك الوادي المقدّس، والكاهن الكولومبي الحبيس منذ أكثر من عشرين عاماً.
في هذا المكان النائي من لبنان، حيث يحلم كثيرون بالسفر إلى قارات بعيدة، يتاح لأبناء بشري أن يتعرّفوا موسمياً إلى أشخاص جدد. المواقع السياحية المتنوّعة التي تتميّز بها بشري تجعل الإقبال عليها مستمراً على مدار السنة وإن بتفاوت بين موقع وآخر.
الموظفة العاملة في بيت جبران خليل جبران تكشف أن الزوّار قلّة، وخصوصاً في فصل الشتاء، «يتوجهون مباشرة إلى مدرّجات التزّلج، ويعودون متعبين فلا يمرّون بالمتحف أو البيت»، علماً بأن من تسنح له فرصة التجوّل في البلدة، والدخول في زواريبها الصغيرة، سيقع على عدد من البيوت الحجرية الجميلة. بعضها في وضع مقبول، وبعضها يحتاج إلى ترميم كما قناطر السيدة التي تعمل البلدية حالياً على ترميمها وتنوي تحويلها إلى بيت للتموين المحلي. «يمكن لنساء من البلدة أن يضعن إنتاجهنّ فيه» يقول رئيس البلدية أنطوان طوق.

زوّار بيت جبران
خليل جبران
قلّة لأن الروّاد يعودون متعبين
من التزلّج

في جعبة الريّس الكثير من المشاريع، لكنه يعترف بأنه كثيراً ما يغرق في تلبية العمل اليومي الذي يطرأ على حساب المشاريع الإنمائية التي يحاول تنفيذها.
في الفترة الماضية، كانت العواصف الثلجية الشغل الشاغل للبلدية «مرّت العواصف بعيداً عن كلّ الضجة التي تابعناها على وسائل الإعلام. هنا في بشري، نحن معتادون على الأمر ولم نتأثر. كنا على أهبة الاستعدادات لفتح الطرقات».
اليوم، لم يعد هناك مخاوف من إقفال الطرقات «لأن الايام بدأت تطول، وحرارة الأرض حِمْيت»، يقول فريد طوق. هنا العلاقة مع الطبيعة وتقلباتها لا تحتاج إلى خبراء، إذ يمكن طوق ببساطة أن يجزم «أي عاصفة ثلجية مقبلة لن تسمح بتراكم المزيد من الثلوج».
كلما اتجهت صعوداً إلى غابة الأرز في بشري، ازداد عدد أشجار التفاح التي تزيّن الجبال. هي اليوم عارية من أوراقها وثمارها. ينظر إليها المزارعون بحنوّ، بما أنها تؤمن لهم مصاريفهم الأساسية التي تستحق نهاية كلّ عام: من المدارس إلى المؤونة إلى الأعياد. لكنها ليست المصدر الوحيد للرزق في البلدة المشهورة بعدد من معالمها السياحية: من غابة الأرز، إلى وادي قنوبين، ومغارة قاديشا، ومتحف جبران خليل جبران...
على الطريق المؤدية إلى الغابة، أمران لافتان. في الهواء لافتات تفيد بأن مدرّجات التزلّج تفتح ليلاً. وعلى الأرض مياه الثلوج الذائبة تذهب هدراً. يدلّنا فريد إلى نبعين يتدفقان «على مدار السنة» ويشرح آلية تقسيم الأدوار بين المزارعين للاستفادة من مياههما في ريّ المزروعات... تندرج هذه الآلية في إطار المشاريع التي تعمل البلدية على إنجازها، لكنها ترتبط بوجود مموّلين. يقول الرئيس لقد عملنا على إنشاء شبكة صرف صحي نموذجية، ونعمل على إعادة تأهيل غابة قاديشا وتكوين ملفات للمواقع السياحية، جرى تنفيذ مشروع ريّ بالتنقيط، ونعمل على عدد من مشاريع التحريج؛ ومنها ما يربط غابة أرز تنورين بغابة بشري بتمويل من أحد المغتربين، ونعمل على ترميم درج سياحي من بشري إلى وادي قاديشا، كما زيّنا متحف جبران...».
ومما أمّنته البلدية أيضاً، ويثلج قلوب الأهالي «دعم المجتمع المحلي بـ 800 بطاقة تزلّج، تتيح تدريب أبناء بشري على التزلّج». إذ لطالما حرم جيران الثلج من ممارسة هذه الرياضات الشتوية، أما اليوم فالبلدية حاضرة للتدريب وتأهيل أبنائها.