بين التعاليم الدينية المسيحية والتقاليد الاجتماعية، امتزجت الأعراف بالمبادئ وجعلت للصيام نكهة شعبية خاصة يمكن أن تختلف بين كنيسة وأخرى، وبين منطقة وأخرى. لكن يبقى لبعض الأيام قيمتها الخاصة التي لا يمكن لأي مسيحي تجاهلها
خميس السكارى:

غالباً ما تجتمع معظم العائلات المسيحية في يوم «خميس السكارى»، وهو آخر خميس قبل بدء فترة الصيام، حول مائدة أساسها المشروبات الروحية. كما يدلّ اسمه، غالباً ما لا ينتهي هذا الخميس من دون أن يكون الجميع قد سكروا وضربوا كؤوسهم بعضها ببعض متمنين فترة صوم مباركة.
لكن الجدير بالذكر أن هذا التاريخ لا يمت للكنيسة المسيحية بصلة، وهو مرتبط بالتقاليد والعادات المسيحية التي تناقلتها المجتمعات على مر العصور. والسكر، بحسب هذه التقاليد، لا يُفسّر بمعناه الحرفي، أي أن يفقد الشخص وعيه بسبب إفراطه في تناول المشروب، إنما يدل على الفرح والشراكة بين الأهل والأقارب المجتمعين حول مائدة واحدة. وتبعاً للعادات أيضاً، هناك من يرفض استقبال الصوم بالأكل والشراب، فيُطلق اسم «خميس الذكارى» على هذا اليوم نسبةً إلى تذكار الموتى والصلاة على راحة نفوسهم، لكن هذا التقليد أيضاً لا علاقة له بالكنيسة إذ أن الأخيرة خصّصت يومين رسميين في السنة للصلاة للموتى ولراحة نفسهم، وهما السبت الذي يسبق أحد المرفع، وسبت العنصرة التي يُحتفل بها بعد خمسين يوماً من انقضاء عيد الفصح.

سبت الموتى:

كل سبت بالنسبة للمسيحيين هو مخصّص لتذكار الموتى إذ أن الصلوات تُرفع في كل أسبوع لراحة نفسهم، ويعود اختيار يوم السبت إلى المعنى الحرفي للسبت باللغة العبرية الذي يعني «الراحة». لكن الكنيسة خصصت سبتين رسميين للصلاة للموتى، أحدهما له علاقة وطيدة بالممارسات التي تسبق البدء بالصوم الكبير. السبت الذي يسبق أحد مرفع اللحم، والذي يُسمى أيضاً بأحد الدينونة وهو للتعبير عن مجيء المسيح الثاني ليدين البشر، تُقدّم خلاله الصلوات لراحة نفس الأموات. سارت التقاليد على مرّ السنوات بالذهاب إلى الكنيسة خلال هذا النهار للصلاة وبعدها يزور بعض المؤمنين المقابر التي دُفن فيها أقاربهم ويتلون صلواتهم ويضيئون الشموع.

أحد المرفع:

من المعروف أن الأحد الذي يسبق بداية الصوم، الذي يبدأ دائماً يوم الاثنين، يسمى بأحد المرفع، فيكون مخصصاً للمأكولات الممنوع تناولها خلال الفترة اللاحقة. غالباً ما يكون اللحم بجميع أنواعه المكوّن الرئيسي لمائدة هذا اليوم.

يُسمح للمسيحيين بأكل نوع واحد
من اللحوم في عيد البشارة
لكن الصحيح، أن للمسيحيين، إن كانوا ينتمون للتقويم الغربي أو الشرقي، مرفعين لا مرفع واحد. الأول يسمّى مرفع اللحم وهو يسبق الأحد الأخير قبل الصوم بأسبوع والثاني يُسمى مرفع البياض وهو الأحد المتعارف عليه من الجميع. مرفع اللحم يكون احتفالية أخيرة تُجيز للمسيحي تناول اللحم في الأطباق اليومية، أما مرفع البياض فهو الفرصة الأخيرة لتناول مشتقات الحيوان الأخرى كاللبنة والجبنة والبيض قبل بدء الصوم الكبير. استخدام كلمة «مرفع» له معنيان لدى الكنيسة المسيحية، فمن جهة الرفع يكون للدلالة على إلغاء أصناف من الطعام عن المائدة لفترة طويلة ومن جهة أخرى فهو يدل على رفع القلوب والعيون والآذان إلى الله من خلال الالتزام بالصوم والصلاة والصدقة.

اثنين الرماد:

عادةً ما تكون التقاليد المسيحية واحدة بين الطقس الغربي والطقس الشرقي لكن تختلف الأيام بحسب حسابات خاصة بكل مذهب، إلا عدد قليل من الممارسات التي ينفرد بها بعض المذاهب مثل اثنين الرماد الذي لا يحتفل به إلا المسيحيون الموارنة. يفتتح المسيحيون الموارنة أولى أيام زمن الصوم الكبير برتبة الرماد التي تستند إلى آية من الكتاب المقدس تقول «اذكر يا انسان أنك من التراب وإلى التراب تعود» ويُراد القول بذلك أن لا قيمة للإنسان دون روحه التقية والمؤمنة، فالجسد فانٍ. الرماد خال من الحياة وبحسب التعاليم المسيحية فلا قيمة للفرد إن كان بعيداً عن الله لذلك تذكّر الكنيسة المارونية في هذا اليوم رعاياها بضرورة الصلاة والتقرّب من خالقهم. بالإضافة إلى ذلك، تعلل الكنيسة أن هذه الرتبة تدفع المؤمنين نحو الحقيقة الأزلية التي تفيد بأن الله هو البداية والنهاية. يصنع الرماد المستخدم في هذا اليوم من أغصان الزيتون التي تباركت يوم أحد الشعانين من السنة السابقة ويقوم الكاهن برسم إشارة الصليب على جبهة المؤمنين خلال هذا اليوم.

عيد البشارة:

عيد البشارة هو من أول الأعياد المسيحية، إذ بشّر فيه الملاك جبرائيل مريم بأنها حامل بابن الله. ويعدّه البعض بداية المسيرة المسيحية معلّلين ذلك أنه لو لم تكن البشارة لما كان الميلاد والآلام والصلب والقيامة. لا علاقة مباشرة تجمع عيد البشارة بالصوم الكبير لدى المسيحيين، إنما هناك ارتباط كبير بينهما من الناحية الاجتماعية، فعيد البشارة يحلّ دوماً في زمن الصوم، وبما أنه من الأعياد السيادية المسيحية فهو مصحوب بفرح كبير. وللتعبير عن هذه البهجة يُسمح للمسيحيين بأكل نوع واحد من اللحوم خلال هذا اليوم من فترة الصيام وهو السمك. تكون مائدة عيد البشارة مزيّنة بالأسماك المتنوّعة تعبيراً عن فرحة كبيرة ومكافأة أكبر بكسر النظام الغذائي الشديد والاحتفال بالبشرى السارة التي عرفت بها مريم العذراء.

الشعنينة:

أحد الشعانين هو ذكرى اليوم الذي دخل فيه يسوع أورشليم على حمار فاستقبله أهلها بافتراش الأرض بثيابهم وحمل الأطفال أغصان الزيتون تعبيراً عن الفرح. وأحد الشعانين أيضاً هو اليوم الأول من أسبوع آلام السيد المسيح. كلمة الشعانين تعني «هوشعنا» التي تعني بدورها «خلّص» وهي الهتاف الذي نادى به الشعب في ذلك اليوم سائلاً يسوع مساعدته للوصول إلى الخلاص. إلى جانب دلالته الكنسية العميقة، فهذا اليوم يتميّز أيضاً بالفرح، فهو كما يوم عيد البشارة يُسمح خلاله للمسيحيين الصائمين بتناول السمك بمختلف أنواعه وأشكاله. أحد الشعانين يشكّل الأحد السابع والأخير من الصوم الكبير قبل عيد الفصح وله شعائره الدينية والاجتماعية الخاصة، فإلى جانب الصلوات والقداديس يلبس الأطفال ثياباً جديداً ويحملون شموعاً ملونة ومزينة ويضيئونها خلال زياح في الكنيسة أو في البلدة أو المنطقة بحسب تقاليد كل رعية. هذه التقاليد تعبّر عن فرحتهم باستقبال يسوع بينهم تماماً كما فرح أطفال أورشليم ورفعوا أغصان الزيتون.