لا تُشبه قضية مقتل الشابة ميريام الأشقر في ساحل علما غيرها من القضايا، سواء من حيث فظاعة الجريمة التي تُعدّ من الجرائم الاستثنائية في لبنان، أو لجهة السرعة القياسية التي أُجريت فيها التحقيقات، وصدر بعدها القرار الظني. كل ذلك وغيره أسبغ نوعاً من الفرادة على هذه الجريمة. إذ لم يطل انتظار الرأي العام اللبناني أكثر من أسبوعين بكثير. بعد مرور 17 يوماً، أصدر قاضي التحقيق في جبل لبنان زياد مكنا قراره الظني بحق المدعى عليه في ارتكاب الجريمة فتحي س. وتطرق القرار الظني للقاضي في متنه إلى الدقائق الأخيرة التي عاشتها ميريام، قبل أن تقضي مذبوحة إثر محاولة اغتصاب وسرقة.يسرد القاضي في وقائع قراره أنه عند ظهر يوم 21/11/2011، تركت ميريام منزلها، وتوجّهت سيراً على الأقدام إلى دير سيدة البشارة لأداء الصلاة، كما كانت تفعل عادة. ولدى وصولها إلى الدير، طلبت من المدعى عليه فتح الباب لها، لكونه يعمل ناطوراً للدير ويقيم في غرفة مجاورة. دخلت ميريام إلى الكنيسة للصلاة، حيث مكثت قرابة ربع ساعة فقط، كانت كافية ليحسم المدعى عليه أمره حيال الأفكار التي راودته باغتصابها. أنهت ميريام الصلاة، وما إن خرجت حتى توجه نحوها محاولاً التودد إليها. عرض عليها الدخول إلى غرفته، لكنها رفضت مستنكرة طلبه المفاجئ، فردّ عليها بأنه سيجبرها على ذلك. حاولت ثنيه عن رغبته، فتناولت جهاز هاتفها الخلوي مهددة. أخبرته أنها ستتصل بخطيبها لإخباره بالأمر. لم يرتدع المدّعى عليه، تحت وطأة التهديد، وسارع إلى شهر سكين ممنوع من نوع «سبع طقات»، وعاجلها بطعنة في الناحية اليسرى من عنقها.
سقطت ميريام أرضاً منهارة القوى، إذ إن الطعنة أحدثت جرحاً بطول ستة سنتمترات. ولم يتراجع المدعى عليه، فاقترب منها وانتزع مصاغها وأخذ جهازها الخلوي. بعد ذلك، سحبها من يدها أرضاً مسافة عشرة أمتار الى موقع بالقرب من غرفة نومه. هناك جرّدها من ملابسها وحاول اغتصابها، لكنه لم يستطع بسبب غزارة الدماء التي كانت تسيل منها. كرر محاولته مرات عدة، لكنه لم ينجح. في هذه الأثناء، لم تكن المغدورة قد فارقت الحياة بعد. كما لم تكن فاقدة للوعي كلياً. قرر أن يُجهز عليها ليخفي جريمته. سحبها في منحدر مسافة خمسة عشر متراً ووضعها تحت شجرة توت. وهناك أزهق روحها. طعنها في الجهة الأمامية من عنقها طعنة قاتلة. اطمأن المدعى عليه إلى وفاة ضحيته، فتوجّه إلى غرفته وأحضر كيساً من «النايلون» يُستعمل لوضع العلف عادة. وضع جثة المغدورة داخل الكيس وأغلقه برباط محكم، وحمل الجثة على ظهره ومشى مسافة قصيرة حتى بلغ أرضاً مجلّلة. هناك، بدأ برمي الجثة نزولاً في الجل، حتى وصل إلى منحدرٍ وعر تكسوه الأشجار ونباتات العلّيق. دفع الجثة نحو المنحدر ليخفيها عن الأنظار. لم تنته الجريمة بإخفاء الجثة. عاد فتحي إلى غرفته وجمع ملابس المغدورة ووضعها على شجرة تحت نافذة غرفته. وأخذ المسروقات من مصاغ وجهاز خلوي ووضعها تحت حجر في حفرة قرب قن دجاج. إثر ذلك، عاد إلى غرفته ونزع ثيابه الملطخة بالدماء قبل أن يغسل السكين ويضعه في جيبه.
تأخر الوقت ولم تعد ميريام إلى منزلها. بدأت عائلتها بالتفتيش عنها. قصدوا الدير للسؤال عنها، لكن المدعى عليه أكّد لشقيقها أنه لم يشاهدها. أعطاه الشقيق مواصفاتها ولون ثيابها علّه يتذكّر، لكن الأخير نفى رؤيتها في ذلك اليوم وتابع عمله في الحقل. ولغرض التمويه، رافق مخدومه للبحث عنها. جهد المدعى عليه كثيراً لإخفاء فعلته، لكن رغم ذلك، افتضح أمره. فقد ضبط سرواله «الجينز» الملطخ بدماء المغدورة وكذلك سكينه الذي نفّذ بواسطته جريمة القتل. وتأكّد ذلك بعد إخضاع السكين للفحوصات المخبرية في مكتب المختبرات الجنائية، حيث تطابقت البصمة الوراثية العائدة لجثة المغدورة مع البصمة الجينية الموجودة على السروال والسكين المذكورين. تكشّفت جميع الأدلة بسرعة، ووجه المدعى عليه بها فاعترف بجريمته كاملة. أخضعه قاضي التحقيق لاستجواب استمر قرابة ساعتين، فأدلى بكل تفاصيل فعلته.
وقد رأى القاضي مكنا أن فعل المدعى عليه المتمثل بإقدامه على محاولة اغتصاب المغدورة ميريام الأشقر ومباشرته بالأفعال الرامية إلى ذلك، من دون أن يتمكن من تحقيق النتيجة لأسباب خارجة عن إرادته، يشكل الجناية المنصوص عليها في المادة 503/200 من قانون العقوبات. كما أن فعلته لجهة سرقة مصاغها وجهاز هاتفها الخلوي بعد طعنها بالسكين يشكل الجناية المنصوص عليها في المادة 640/639 من قانون العقوبات. وكذلك الأمر في ما يتعلق بقتلها عمداً وبشراسة لإخفاء جريمتي محاولة الاغتصاب والسرقة الذي يشكل الجناية المنصوص عليها في المادة 549 من القانون نفسه.
وقد اعتبر القاضي أن جريمتي محاولة الاغتصاب والسرقة متلازمتان مع جريمة القتل المدعى بها في الادعاء العام، ورغم أنه غير مدعى بهما إلا أنه يجوز التحقيق فيهما وترتيب النتائج القانونية كافة استناداً إلى المادة 60 من قانون أصول المحاكمات الجزائية.
بناءً على ما سبق، قرر قاضي التحقيق، وفقاً لمطالعة النيابة العامة الاستئنافية في جبل لبنان، اعتبار أفعال المدعى عليه فتحي س. تشكل جنايات تصل عقوبتها إلى الإعدام.



جرائم وردود

تتكرر جرائم اغتصاب وقتل الفتيات التي يشهدها لبنان، لكنها لا تعتبر ظاهرة متفشية. إذ لم يتجاوز عدد هذه الجرائم أصابع اليدين على مر السنين الماضية وخلال فترات متباعدة. ورغم ذلك، فإنّ ردّ الفعل الشعبي عليها يكون عارماً، ولا سيما أن معظم مرتكبي هذه الحوادث، يصدف كونهم من الأجانب غير اللبنانيين. وفي ما يتعلق بجريمة ساحل علما التي راحت ضحيتها الشابة ميريام الأشقر، هناك جريمة مشابهة حصلت منذ ست سنوات في منطقة صور. يومها قُتلت الشابة الجامعية كوكب الأحمد، وتناوب على اغتصابها ثلاثة عمال من الجنسية السورية وشاب لبناني. استدعت الجريمة حينها ردَّ فعل مشابهاً في عنصريته للردود التي صدرت من أهالي ساحل علما الذين طالبوا بطرد السوريين وإنزال حكم الإعدام بحق المشتبه فيه في ساحة البلدة. وهناك أيضاً، حادثة اغتصاب تعرضت لها فتاة قاصر في بلدة جنوبية على يد عامل سوري. ورغم أن القوى الأمنية أوقفت الفاعل، إلا أن شبّان البلدة هاجموا جميع العمال السوريين في البلدات المجاورة.