ينطلق أطفال لبنان وسوريا غداً، مساءً، في مسيرات والأقنعة تغطي وجوههم. يدقون الأبواب ويغنون قصة بربارة. ويطالبون أصحاب المنازل بالحلوى أو المال، ويعلقون على سخائهم أو بخلهم: «أركيلة فوق أركيلة صاحبة البيت زنكيلة»، أو «أركيلة فوق أركيلة صاحبة البيت بخيلة».وللمناسبة، يتكيف المطبخ التقليدي فيقدم القطايف بالجوز أو القشدة، والقمح المسلوق مع الزبيب والجوز وماء الزهر والسكر، إضافة الى «العوّامات» مع القطر.
أصول هذه المناسبة دينية تراثية، وهي خاصة بمسيحيي لبنان وسوريا. وتقول الحكاية إن بربارة كانت ابنة ديوسكوروس، وهو عضو في مجلس مدينة هيليوبوليس ـــــ بعلبك في زمن حكم الإمبراطور البيزنطي مكسيميانوس (285 ـــــ 305). اعتنقت بربارة المسيحية على الرغم من إرادة والدها، الذي كان من أصول فارسية. عرف ديوسكوروس بالأمر فأمر بسجن ابنته في برج جدرانه مجردة من النوافذ إلا من فتحتين تضيئان السجن، وسافر. عند عودته اكتشف أن بربارة حفرت فتحة ثالثة، دلالةً على الثالوث المسيحي، فاتخذ قراراً بحرق ابنته في البرج.
عرف المسيحيون في بعلبك والبقاع بالأمر فقاموا بتدبير فرارها. اقترح أصدقاء بربارة عليها لبس ثياب قديمة وقناع من أجل تسهيل فرارها. وبالفعل، «هشلت» بربارة بين حقول القمح في سهل البقاع، لكن، لسوء حظها، تعرّف إليها راعٍ حينما سمع خشخشة الأساور الذهبية على معصمها، ولاحظ بياض ونعومة بشرتها، وهو دلالة على كونها من ذوي الجاه والمال، فألقى القبض عليها واقتادها إلى بعلبك وسلمها إلى الحاكم للحصول على مكافأة مادية.
سجنت بربارة وتعرّضت للتعذيب لكي ترتدّ عن الدين الذي اعتنقته، لكنها رفضت، فأمر الحاكم بإعدام ابنته ليجعل منها عبرة لمن يعتنق الدين الجديد، الذي كان ينتشر بسرعة في أرجاء الإمبراطورية. أُعدمت بربارة، وتقول الرواية إنه في لحظة قطع رأسها ضربت صاعقة والدها فأردته قتيلاً.
بعد إعدامها، بقيت جثة بربارة في العراء إلى أن قرر المسيحيون في بعلبك المطالبة بها، ولما تحقق ما أرادوا، كُشف اسمها المسيحي الذي انتقته يوم تعميدها، وهو «بربارة». وبربارة كلمة ذات جذور فارسية، كانت تستعمل لوصف الشعوب الخارجة عن سيطرة روما.
لم تنته قصة بربارة عند هذا الحد، ففي سنة 395 أصبح الدين المسيحي الدين الرسمي للإمبراطورية، فأعلنت الكنيسة بربارة قديسة وشهيدة، وبدأ الناس يحتفلون بفصول قصتها. فكان القناع، والطواف في الشوارع وأكل القمح المسلوق للتذكير بهروبها بين سنابل القمح، أما العوّامات، فدلالة على قطع رأسها، والعدية تقول: «هاشلة بربارة مع بنات الحارة، هاشلة بربارة والقمح بالكوارة، هاشلة بربارة عرفتها من إيديها، ومن لفة عينيها، ومن هاك الإسوارة».