في «عرف» حصاد الزيتون، تكثر شجرة الزيتون من الحمل عاماً، وتخلّ عاماً آخر. وبتعبير المزارعين، فالموسم «سنة منيح وسنة شحيح». وبحسب هذا الكلام وروزنامة قطاف الزيتون، يفترض بالشجرة أن «تخلّ» هذا العام بعد «حمل» الموسم الماضي الكثيف. لكن، على ما يبدو أن الفرضية فسدت، فقد تمرد الموسم الراهن على القاعدة، بدليل رضا المزارعين عن موسمهم، وهم الذين أشاروا إلى أن «الموسم فيه حمل وفيه رشة حلوة»، ووصفوه بـ«حمل نادر». أما السبب، فعزوه إلى عوامل مناخية شهدها لبنان. «جيش» من المزارعين والعمال بدأوا ساحلاً وجبلاً قطف محصول الزيتون، مستخدمين وسائل تقليدية لم يغيروها، فإما يقطفونه حبة حبة، أو يهزون رأس الشجرة أو يستخدمون المفاريط (قضيب صلب) والمرشفة في إسقاط الحبات على حصر يفرشونها تحت الشجرة. أم طنوس واحدة من المزارعات التي بدأت قطاف «زيتوناتها» منذ أسابيع قليلة. تداعب السيدة الحبات، مردفة بالقول «الزيتون أحلى المواسم وضيف الموائد». لكن، ثمة ما يقلقها هذا العام من الموسم، رغم الحمل النادر، وهو «قرمشة أوراق الزيتونات بسبب حشرة ضارة». وهذا جعلها تستنتج أن حبة الموسم الماضي «أنضف من هذه السنة». كما استغربت الفروقات في حمل الشجرة الواحدة «فشرق الشجرة حمل حبات زيتون كثيرة، أما غربها فحباته قليلة جداً». أمر غريب بررته أم طنوس بـ«الطقس المشقلب والرياح». أما عبدو عطا، صاحب كرم الزيتون في مغدوشة، فخالف أم طنوس قائلاً «السنة الزيتون حمل خلافا للتوقعات، فالموسم جيد»، مع استثناء «التخريز بالزيتون، نتيجة الجنزارة والدود». ما عدا ذلك، كان كل شيء جيداً «فقد أسهمت الأمطار التي سقطت بغزارة في عدد من المناطق اللبنانية بحمل معظم أشجار الزيتون ببطنين متتاليين، فيما أتت غزارتها في مناطق أخرى على الحبات فأهلكتها».
وإن كان سليم ياسين من منطقة كوكبا، قد فرح هذا الموسم بعدم تعرض زيتوناته «للتسوس، بسبب ارتواء الأرض بالماء الوفير»، إلا أن «غزارة المطر في بعض الأحيان هر الزيتون قبل أوانه». ورغم ذلك، يؤكد ياسين أن الموسم هذا العام «مقبول».
«الموسم بخير»، يطمئن مختار محلة الوسطاني في صيدا أحمد القنواتي، مشيراً إلى أن «ظروف الطقس ساعدت على تخطي مقولة عام منيح وعام شحيح، فالمطر روى الارض وغذى حبة الزيتون، كما ضاعفت كميات المطر من كميات الزيت داخلها». ويضيف المختار سبباً آخر لحمل أشجار الزيتون وهو «اهتمام المزارعين هذا العام بتقليم أشجارهم وتوفير الأسمدة ومكافحة الحشرات». ولكون المختار مهتم بزراعة أشجار الزيتون بوصفها «شجرة مقدسة وردت في الكتب السماوية»، فقد دعا إلى حمايتها من اجتياح الباطون لها وعدم تحويلها لمجرد شجرة تزين القصور.
أما المهندس الزراعي محمود سعد، فقد طالب الدولة اللبنانية بحماية الزيتون، مؤكداً ضرورة «تنظيم محاضرات توعوية وتأمين أسمدة وأدوية لمكافحة حشرات ضارة تفتك بشجرة الزيتون وتضرب المواسم». والأهم بالنسبة لسعد «اتخاذ الدولة قرارات فورية كمنع استيراد الزيت وشراء كميات زيت الزيتون من المزارعين وتصريف إنتاجهم كما يحصل مع مزارعي التبغ». ويتساءل سعد عن سبب تقاعس الدولة في دعم الزيتون، رغم «تصريحات وزير الزراعة حسين الحاج حسن المتكررة التي تفرض وجوب أن يكون الزيتون خياراً استراتيجياً، فهو الزراعة البديلة الأساسية لأننا في لبنان ذاهبون إلى التصحر».
شجرة الزيتون من الأشجار المعمرة، لديها قدرة على تحمل الظروف المناخية وهي مقاومة للرياح. وأكثرية أشجار الزيتون اللبنانية هي من نوع الزيتون البلدي، مع وجود أشجار زيتون أجنبية مثل «الطلياني واليساني». كما يعد موسم الزيتون من المواسم التراثية، ومن عوامل الإنتاج المهمة في لبنان. أما عملية ما بعد قطف الزيتون، فهي الفرز، حيث تفرز حبات الزيتون إلى حبات متوسطة أو مشوبة بدبغات وخدوش عادة ما تحول إلى المعاصر لتعصر كزيت. أما الكبيرة منها فتمون في المنازل بعد رصها، أو تباع في السوق المحلي. ولعل أبرز ما يواجهه مزارعو الزيتون هو عدم تصريف إنتاجهم من الزيت بفعل قيام ما سموه «مافيات الزيت المغشوش»، التي عملت على إغراق السوق اللبناني بكميات من الزيت المستورد بأسعار بخسة. هذه المافيات الناشطة التي ساهمت في تكديس زيت الزيتون المحلي في خوابيه. وقد أشارت معلومات غير رسمية إلى وجود ما يقرب مليوني صفيحة زيت لم يتم تصريفها منذ العام الماضي. وهي معلومات يتداولها المزارعون أنفسهم.