كان جالساً بمفرده، أمس، في آخر القاعة. لم يخطر ببال أحد، باستثناء عارفيه، أنه هو القاضي الذي أصدر قراراً اتهامياً في قضية الإمام موسى الصدر. هذه القضية التي انتظر القضاء اللبناني 30 عاماً حتى يحدد المتهمين فيها. وربما لو تنحى القاضي سميح الحاج عن التحقيق فيها، كما فعل عدد من القضاة قبله، لبقيت قضية الصدر ورفيقيه حبيسة الأدراج إلى أمد غير معلوم. خرج الحاج من جلسة المجلس العدلي، أمس، بعدما اطمأن إلى سير العدالة في سياق قراره الاتهامي. ففي ختام الجلسة، أعلن رئيس المجلس القاضي سامي منصور، أن تاريخ 18 تشرين الثاني المقبل هو موعد صدور الحكم بحق العقيد معمر بن محمد أبو منيار القذافي. قبل أشهر، أُلصقت على الحائط الخارجي لقاعدة المحكمة ورقة إبلاغ للقذافي. حتى يوم أمس كانت ورقة الدعوة صامدة. بيد أن القذافي لم يحضر، ولا حضر أيّ من معاونيه المتهمين أيضاً. لا أحد يعلم مكان العقيد هذه الأيام. لقد تغيّرت ليبيا، كما تغيّر المعاونون.
«كم كانت هذه المحاكمة لتكون أقوى، معنوياً، لو حصلت قبل فرار القذافي من باب العزيزية». كلمات قالها أحد المحامين، الذي حضر بصفة متضامن، وهو يأسف لـ«التقصير غير المبرر للبنان الرسمي، على مدى 3 عقود، في قضية الصدر ورفيقيه الشيخ محمد يعقوب والصحافي عباس بدر الدين».
كل شيء «يطوّف» في لبنان. حتى الأفراح والأحزان فيها طائفية. لم يكن غريباً، والحال كذلك، أن يكون معظم المحامين المتضامين، الذين حضروا أمس، من الطائفة الشيعية. طبعاً، شخصية الصدر كانت عابرة للطوائف، بشهادة الخصم والصديق، لذا لم يكن مستغرباً أن يترافع عن عائلة المغيّب نقيب المحامين في طرابلس بسّام الداية. «هو من نسل حفيد رسول الله محمد، وفيه من مزايا المسيح». الكلام للداية، الذي وصف الصدر، في مطالعة طويلة، بصفات ليس أقلها «الشمس والقمر». نقيب المحامين السابق رمزي جريج ترافع أيضاً. الصدر عند جريج «لكل لبنان، وقيمة عالمية كبيرة. ومهما كان حساب القذافي في الخارج، فإن هذا لا يعفي القضاء اللبناني من المسؤولية». المحامي سليمان تقي الدين، الذي كتب كثيراً عن الصدر في الصحف، عدّ الجريمة التي ارتكبها القذافي «جريمة ضد الإنسانية، وهي مستمرة». هكذا، استفاض محامو العائلة في شرح «قباحة» العقيد في مقابل «نقاوة» الإمام. نجل المغيّب كان حاضراً في الجلسة، صدر الدين الصدر، إلى جانب نجل الشيخ يعقوب، النائب السابق حسن يعقوب. طلب الصدر، على ألسنة وكلائه، تعويضاً مالياً رمزياً قدره ليرة لبنانية واحدة فقط. كل شيء استثنائي في قضية الصدر. حتى مرافعة النائب العام التمييزي القاضي سعيد ميرزا، أمس، كانت «استثنائية».
فاجأ الجميع بمدى معرفته بـ«من أطلق المقاومة ضد العدو الإسرائيلي». لكز أحد المحامين زميله بكوع يده، هامساً في أذنه: «هل هذا ميرزا الذي نعرفه؟». بالنسبة إلى القاضي البيروتي، فإن الصدر، بقلبه الطيب، وقع في فخ الزيارة إلى ليبيا بناءً على نصيحة الرئيس الجزائري آنذاك هواري بومدين. توجّه ميرزا إلى القذافي، الغائب عن الجلسة، قائلاً له: «لقد فعلت ما فعلت بسبب حقدك على من هو أشرف منك، وأكبر منك، وأولى منك في مخاطبة العقول». في جلسة إصدار الحكم بعد نحو شهر، قد يكون على ميرزا، وقضاة المجلس العدلي، شراء «ميكروفون» جديد بدل ذاك المعطل الموجود في القاعة، الذي ربما زاد عمره على 30 عاماً.