منذ الاثنين الماضي، يجتمع أكثر من مئتي مشارك في ندوة تقام في مقر منظمة الأغذية العالمية (الفاو) في روما، لمناقشة قضية حيازة الأراضي والغابات ومصايد الأسماك. تهدف هذه المباحثات التي تجمع ممثلين عن الحكومات العالمية والحركات الاجتماعية والمجتمع الأهلي إلى الاتفاق على مبادئ توجيهية تلتزمها الحكومات طوعاً، لتنظيم الشؤون المتعلقة بالحق في الأرض وباستعمالها ممّن ليس لديهم سلطة أو قوة أو مال. وتندرج هذه الاجتماعات في سياق الجهود الدولية لتعزيز الأمن الغذائي الوطني. الموضوع يهم الوطن العربي أكثر من أي منطقة أخرى في العالم؛ فالأمن الغذائي مفقود فيه منذ عقود، وليست هناك أية بوادر لحل قريب، الأمر الذي يجعل من العرب فرائس سهلة للشركات العالمية التي تحتكر التجارة بالغذاء. هناك أسباب عدة لغياب الأمن الغذائي العربي، وملكية الأراضي وحيازتها واحدة منها. فكيف للفلاحين أن يبذلوا جهودهم في تطوير الإنتاج وتحسينه، وهم لا يملكون الأرض؟ الأرض في بلادنا يستملكها الأقوياء منذ أجيال، وهم الذين جعلوا منها سلعة للتجارة العقارية، لا أداة للإنتاج؟ وهذا ما يفسر جزئياً ضعف جدوى الزراعة مقارنة بالاستثمارات العقارية. من ناحية أخرى، يمثّل الإنتاج الحيواني الجوال إحدى الركائز التقليدية للمنظومة الغذائية العربية؛ إذ إنه يتيح استعمال المساحات الشاسعة شبه الصحراوية التي تغطي أكثرية الوطن العربي. لكن اليوم ينتزع أعيان النظام في البلدان كافة هذه الأراضي من مستعمليها التقليديين ويُسطون عليها، وما يهتف به اليوم المتظاهرون في الأردن عن استملاك الأراضي من حفنة من المستفيدين خير دليل على الواقع العربي المرير. كل هذا يضع معظم البلدان العربية على رأس قائمة الدول الأكثر إجحافاً في توزيع الأرض. ولن نقترب من الأمن الغذائي ما لم يُصحَّح هذا الواقع.