نضجت ثمار الدرّاق في البقاع، و«نضج» معها خوف المزارعين من الأسعار غير المطمئنة، التي تزداد سوءاً عاماً بعد آخر. خوف يتوقّعه المزارعون كبيراً، مع حلول موسم القطاف الذي ينبئهم بسقوط الأسعار أكثر مما هي «ساقطة» الآن. هكذا يقولون. اليوم، قبل أن ينزل المزارعون مواسمهم إلى الأسواق، يطلقون صرختهم المطالبة برفع الأسعار، أقلّه لتفيهم التعب وما صرفوه على الموسم من رش مبيدات ومعالجة الأشجار من الأمراض التي كادت تلحق ضرراً بالثمار. لكن، إلى الآن لم يأتهم الجواب من المعنيين، والحال لا تزال على ما هي عليه، «أسعار بالأرض»، يقول المزارع يوسف يونس. وقد تكفي جولة واحدة على سوق بيع الخضار والفاكهة المركزي في الفرزل للتأكيد على هذه الأسعار. فهناك، يُجمع تجار «الحسبة» على أن أسعار بيع الدراق هذا العام تشهد تراجعاً ملحوظاً، بحيث يباع الكيلوغرام الواحد «من أجود أنواع الدراق حالياً بأسعار تراوح بين 800 و 1200 ليرة لبنانيّة في أحسن الأحوال، وهو سعر أقل بكثير من العام الماضي، حيث كان يراوح سعر الكيلو الواحد ما بين 1500 و2500 ليرة»، يقول أحد الباعة. وقد دفع تدني أسعار بيع الدراق هذا العام بعض أصحاب البساتين الى التفتيش عن حلول بديلة للخروج من الأزمة، كأن يعملوا على تخزين إنتاجهم من الدراق في غرف للتبريد، مع ما يتطلبه ذلك من تكاليف إضافيّة، لكن، هذا الخيار دونه محاذير، إذا ما استمر سعر الدراق على ما هو عليه في الأشهر المقبلة، الأمر الذي يؤدي الى تكبدهم المزيد من الخسائر. ولكل هذه الأسباب، يتريث تجّار الخضار والفاكهة، أو من يعرفون بـ«الضمّاني»، بالارتباط مع أصحاب بساتين الدرّاق لشراء المحاصيل منهم. هكذا، لم يعد في يد المزارعين حيلة إلا الدعاء ومناشدة الوزارات إنقاذهم، فمبيعات الموسم لم تعد تفيهم ثمن الأسمدة والمبيدات للأمراض التي تضرب الأشجار كل عام (الرمد وتجعيد الدرّاق وتبخّش الأوراق والمونيليا ـــــ يباس الزهر ودودة الزهر والمن) والتشحيل والحراثة ومصاريف الريّ وأجور العمال... لكن، ما الذي جعل مواسم الدراق تصل إلى هذا الحال، هي التي كانت تدرّ على مزارعيها المال الكثير؟
«عشوائية الزراعة»، هذا ما يقوله المزارع بلال مجدلاني. يردّ الرجل السبب إلى أنه «بعد تحقيق أصحاب بساتين الدراق أرباحاً هائلة في السنوات الأخيرة، تشجع الكثيرون، فغرسوا مئات الآلاف من أشجار الدراق». وقد كان من نتيجة ذلك «فقدان الأسواق اللبنانيّة القدرة على استهلاك آلاف الأطنان من محاصيل الدراق». ولهذا السبب، يطالب المجدلاني بالعمل على إيجاد أسواق خارجيّة لتصريف الإنتاج الزراعي اللبناني، من خلال الإسراع في إقرار برنامج «إكسبورت بلاس» لدعم الصادرات الزراعيّة، إضافة إلى العمل على دعم صغار المزارعين وتخصيص مساعدات عينيّة لهم، من نصوب وأسمدة كيماوية، وخصوصاً الأدوية والمبيدات الزراعيّة المخصصة لمكافحة الأمراض والحشرات، نظراً إلى ارتفاع أسعار هذه المبيدات الباهظة الثمن. ثمة مطالب أخرى يوردها المزارع طوني السكاف، هي التي تتعلق «بوضع المعنيين في الدولة برامج إرشاديّة وروزنامة زراعيّة، من أجل الحدّ من عشوائيّة زراعة جميع أنواع الأشجار المثمرة».
بعيداً عن الموسم، «الموعود» أصحابه بالخسارة مبدئياً، لا بد من الإشارة إلى أن هناك 50 نوعاً من الدرّاق تعطي إنتاجاً على مدار السنة. ومن أشهر هذه الأنواع «الجاد» و«النكترين»، إضافة إلى «الدكسريد» و«الوردهفن» المعروفين بـ«أبو وبر»، وهما من الأصناف الأولى التي عرفها المزارع اللبناني منذ عشرات السنين. وفي هذا الإطار، يستعيد المزارع يوسف يونس تاريخ شجرة الدراق التي «حملها اللبنانيون في خمسينيات القرن الماضي من فرنسا لتنتشر زراعتها في جبل لبنان وقرى البقاع الأوسط، تحديداً في بلدتي جديتا وقب الياس جنوب مدينة زحله، ومن ثم تناقل الفلاحون نصوبها الى مختلف المناطق اللبنانيّة». ويشير إلى أنّ «من المفضل زراعتها في الأراضي المرتفعة والجبليّة على ارتفاع 800 متر وما فوق عن سطح البحر، في تربة تحتوي على حصى صغيرة تساعد على تثبيت جذورها وامتدادها في أعماق التربة». ويضيف إن «هذه الشجرة تنمو على نحو أفضل في تربة غنيّة بمادة الأزوت، وهي بحاجة الى الأسمدة والمواد الكيماويّة المركبة، إضافة الى المواد العضويّة مثل روث الحيوانات». وبحسب يونس، الشجرة «كريمة في عطائها، إذ يمكن أن تعطي قليلاً من الثمار بعد 3 سنوات من غرسها، وقد يصل إنتاج الواحدة منها عند اكتمال نموها الى أكثر من مئه كلغ في الموسم، وهي تعمّر أكثر من 30 عاماً».