في مثل هذا اليوم، قبل 5 سنوات، كانت أسطورة «الميركافا» تُدمّر في سهل الخيام. في اليوم الثلاثين من عدوان 2006، وقبل 3 أيام على وقف إطلاق النار. في المقابل، وفي مثل هذا اليوم أيضاً، في مكان ليس ببعيد عن الخيام، كان ثمة تاريخ آخر يكتب، هو تاريخ «شاي مرجعيون»، الحادثة ــــ النهج التي كتب عنها الكثير، وباتت مدار تندر، حتى بات «شاي مرجعيون» يضاهي في شهرته شاي سيلان.اليوم، وبعد 5 سنوات، يعود الى الواجهة سؤال: ماذا فعل القضاء في لبنان حيال تلك الإهانة الوطنية؟ الجواب: لا شيء. وهو جواب متوقع في بلد التوازنات السياسية والطائفية.
آنذاك، ادّعى مفوض الحكومة لدى المحكمة العسكرية القاضي جان فهد على قائد المجموعة الأمنية المشتركة في الجنوب، العميد عدنان داوود، بعد نشر وسائل إعلام إسرائيلية مشاهد يظهر فيها العميد يحتسي الشاي مع الغزاة، الذين دخلوا ثكنة مرجعيون بعد رفع الرايات البيضاء. أيضاً، حصل الادّعاء بعد إخبار قدّمه عدد من المحامين والناشطين اللبنانيين إلى المحكمة العسكرية، متضمناً جرائم حصلت في الثكنة المذكورة يوم 10 آب، وكلها منصوص عنها في القانون العسكري. أحد المسؤولين القضائيين الذين اطلعوا على أوراق القضية، أكّد لـ«الأخبار» أنه جرى قطع ورقة طلب في ملف العميد داوود آنذاك، ثم أحيل إلى قاضي التحقيق الأول في المحكمة العسكرية رشيد مزهر، الذي باشر بدوره تحقيقاته من دون أن يُعرف إلى ماذا انتهى. وبما أنه لم تعلن النتيجة، أي لم يصدر أي قرار ظني، فهل يعني هذا أن القضية حفظت (أي ماتت بحسب الأدبيات اللبنانية)؟
يرفض المسؤول القضائي الحسم بأن تكون هذه هي النتيجة، لكن «ليس بالضرورة أن تكون حفظت، ربما لم يسأل أحد أين أصبحت، فكل قضية لا بد من أحد يتابعها باستمرار. كانت هناك حصانات معينة في الفترة التي وقعت فيها الحادثة، إضافة إلى حسابات كثيرة لا يقوى القضاء على تخطيها».
مسؤول قضائي آخر، كان أكثر قرباً من ملفات القضية، أكّد لـ«الأخبار» أنه على رغم أن قراراً ظنياً لم يصدر في الادّعاء، لم تغلق القضية، لكن لماذا لم يصدر قرار فيها؟ يجيب: «كانت هناك إفادات متناقضة من الشهود، وهذا ما جعل الأمور تذهب لمصلحة العميد داوود، إذ قال أكثر من شاهد إن العميد أكره على قبول دخول الإسرائيليين إلى الثكنة، وكان المأخذ الوحيد عليه أنه قدّم لهم الشاي، ولكن جرى تفهم الحالة التي كان فيها، خصوصاً بعدما اتصل كثيراً بوزير الداخلية بالوكالة آنذاك أحمد فتفت ليسأله عمّا يجب عليه فعله، لناحية البقاء أو الانسحاب، فلم يكن الأخير يجيب على الهاتف، وعندما أجاب لم يطلب من المجموعة الأمنية الانسحاب. هكذا، ظل يتواصل مع الوزير ومع قيادة الاستخبارات في الجيش حتى بعد دخول المحتلين، من دون أن يخبره أحد بما يجب عليه فعله». وعن سبب عدم محاسبة الوزير المعني، أو الوزراء المعنيين، يلفت المسؤول الى انه «كانت هناك ظروف سياسية. وآخر مرّة وقع نظري على ملف القضية، المرمي حالياً في خزانة، كان الغبار يعلوه. لقد نام الملف بفعل من القضاة المعنيين، وذلك للأسباب التي ذكرت، إضافة إلى تعاطف أحدهم مع فكرة أن العملاء، بأغلبيتهم، كانوا مضطرين ليكونوا عملاء، وهو مشهور بهذا الرأي».
المحامي معن فيّاض، أحد الذين تقدموا بالإخبار إلى المحكمة العسكرية قبل 5 سنوات، يوضح أنه «وكل الزملاء» الذين وضعوا تواقيعهم كانوا يعلمون «أن القضية لن تصل إلى نتيجة، لكنه كان موقفاً للتاريخ، لكي لا يقول أحد إن تلك الحادثة حصلت في لبنان ومرت من دون أن يفعل أحد شيئاً أمام القضاء». ويؤكد فيّاض أنه ينوي قريباً إعادة تحريك القضية، وينقل عن أحد القضاة الذين تعاقبوا على دراسة الملف، أن العميد داوود قال في التحقيق إن كل ما فعله «كان بإيعاز وموافقة من أحمد فتفت، والأخير لم يُحاسب، بحسب القاضي، بسبب وجود حصانات وحسابات».
من جهته، يرى المحامي إيلي الغصّان، أحد الموقعين على الإخبار أيضاً، أن القضاء «يبدو أنه اكتفى بما جاء في التحقيق الذي أجرته المديرية العامة لقوى الأمن الداخلي مع العميد داوود، للأسف طبعاً. على كل حال، كلنا نعرف أن هذه القضايا تموت في لبنان، ولكن قلنا هذا موقف للتاريخ وصرخة أمام الرأي العام».
يُذكر أن فيّاض والغصّان وعدداً من المحامين، كانوا قد أسسوا حملة تحت عنوان «من دون استثناء» لمحاسبة المسؤولين عن حادثة ثكنة مرجعيون. وذكروا في الإخبار الذي قدّموه إلى المحكمة العسكرية، الموقّع من أكثر من 200 مواطن، أنّ الحادثة جاءت لتؤكد أنّها «استثناء مذلّ وموجع، ولتضرب صورة الدولة والمؤسسات، بالإضافة إلى الاعتداء على صورة الدولة، بل تكاد الحادثة تشكل أيضاً اعتداءً وضرراً مباشراً على كل مواطن ينتمي إلى هذا الوطن ويلتزم مفهوم الدولة».
وكانت لجنة الدفاع البرلمانية في جلستها بتاريخ 1/9/2006 قد شهدت انقسامات حادة، على خلفية مناقشة الملف الأمني لـ «حادثة الشاي» بين مؤكد على وجوب إعادة التحقيق مع عدم ربط التصرف العسكري بالقرار السياسي، وبين راءٍ أن الأجدى كان خوض المواجهة مع العدو، فيما قال آخرون إن التحقيق الأولي مع العميد داوود يجب أن يستكمل.
إلى ماذا انتهت تلك النقاشات؟ يقول أحد النواب الحاليين، والذي كان عضواً في اللجنة المذكورة يومذاك، إن «القضية جرت لفلفتها لدى المحكمة العسكرية، وما عاد أحد سمع عنها شيئاً».
هكذا، يظهر بعد خمس سنوات أن التحقيق في حادثة مرجعيون، ككثير من القضايا في تاريخ لبنان الحديث، دخل في دهاليز الحسابات السياسية والتجاذبات العقيمة، التي لا مكان معها للحديث عن محاسبة وعقاب، وبالتالي عن بناء دولة.