عاد مشروع المحافظة على مبنى «السينما سيتي» في وسط بيروت والمعروف بـ«البيضة» أو «الدوم» الى الواجهة. فقد سرت في العاصمة أخبار تقول بأن مهندسين مختصين كانوا يزورون المبنى للبحث في سبل هدمه. وعادت طلبات المحافظة عليه تتوسع على شبكة الفايسبوك. فمجموعة «أنقذوا تراث بيروت» اطلقت حملة على موقعها هذا الاسبوع للتنبيه مما يجري في مبنى «البيضة». والغريب أن المجموعة التي عادة ما تحظى بدعم حينما تعمل على بيوت بيروت القديمة باتت تلاقي ردود فعل عنيفة واتهامات بسوء النية وقدرتها على بث الشائعات المضرة». وذلك ليس بغريب على متابعي اخبار وسط بيروت. فسوليدير تعرف كيف تحارب بكل الاسلحة كل من يحاول ان يجابه مخططاتها، ويكشف ألعابها ومشاريعها التي تبقيها سرية حتى يوم تطبيقها. فهي منذ أنشئت، تستخدم سياسة الأمر الواقع. سوليدير تدرك تماماً أن مبنى «البيضة» سيهدم لأن صاحب العقار وممول المشروع الجديد يرفض إبقاءه، لكنها لا تنشر الخبر حتى يتم الهدم. حينها، تكون الخسارة قد حلت ولا مجال للحلول الوسط. ومن المؤكد أن سوليدير ستستعمل هذه الحيلة (القديمة ـــــ الجديدة) إذ في سنة 2009، اشترت شركة ابو ظبي العقارية كل الاراضي المحيطة بـ«البيضة»، وجرى حينها التسويق لمشروع «بوابة بيروت». وكانت القيمة الاولية للمشروع 600 مليون دولار. وفي رد فعل على المشروع، أطلقت، حينها، الطالبة في الجامعة الاميركية دانيا بدير «حملة عبر الفايسبوك للمطالبة بالمحافظة على البيضة». وتقول بدير إن مبدأ حملتها «كان للمحافظة على معلم يحوي تاريخ المدينة وكانت لأهلها فيه ذكريات، شاركوها إياها. الحملة لاقت حينها رواجاً كبيراً ووصل عدد المنتسبين الى المجموعة الى 5000 شخص».
فكرة بدير كانت الاولى من نوعها في لبنان، وكانت تلك المرة الاولى التي تطرح مشاريع وسط بيروت في التداول ويرفضها المواطنون. لكن، ولأسباب غير معروفة، اوقفت شركة ابو ظبي للعقارات مشروعها وباعت الاراضي التي كانت قد استملكتها، فعاد الوضع، شكلياً، الى سابق عهده وتوقف عمل المجموعة من مبدأ أن المبنى أنقذ وبقي على حاله.
هذا كان المصرح به قبل ايام قليلة، وعامة الشعب اللبناني لا تزال تعتقد بأن المشاريع في هذه العقارات متوقفة. لكن الواقع مختلف. شركات هندسية كبرى تعمل بلا توقف منذ اكثر من سنة على مشاريع رائدة (طبعاً) سيتم تشييدها في العقارات المحيطة بـ«البيضة» ولن يحافظ على المبنى، فهذا القرار ليس على جداول اعمال أو اولويات شركة سوليدير العقارية التي تأخذ تراخيص الهدم من بلدية بيروت. وكما هو معلوم، لم ترفض هذه الاخيرة اي طلب للشركة العقارية العملاقة. فسوليدير هي الضمير الحي الذي يقرر مصير شكل العاصمة، وليس لوزارة الثقافة اي سلطة في هذه الدولة خارج إطار المواقع الأثرية المكتشفة.
بالنسبة إلى مبنى السيتي سنتر، المعروف في بعض الاوساط في بيروت بأن فهد رفيق الحريري هو المالك الاساسي في المشروع الجديد. وجرى في العديد من الاوساط تأكيد أن المبنى لن يبقى في مكانه، وعملية هدمه توقت بحسب اولويات الشركة العقارية الجديدة التي لا تزال «متوارية» لكي لا تدخل في جدل. لماذا يطالب اكثر من 2000 مواطن بالمحافظة على مبنى السيتي سنتر؟ لأنه شاهد على تاريخ بيروت قبل الحرب وخلالها. فهذا المبنى الذي شيد سنة 1965 من تصميم المهندس جوزيف فيليب كرم، كان يعد من المعالم الهندسية الاساسية في بيروت. فشكله غريب عن المألوف واستعماله المزدوج صنفه في خانة خاصة به. فداخل القبة البيضاوية كانت قاعة سينما، في حين أن الخارج كان اسواقاً تجارية.
مبنى «البيضة» هو الشاهد الوحيد الباقي من تاريخ العاصمة القريب، تدميره يعني محو آخر رمز للذاكرة الجماعية. مكان يجمع بين جدرانه جمال ايام بيروت قبل الحرب، وبشاعتها خلال القتال، وحال الضياع الذي عرفته المدينة بعد توقف الرصاص. لكن الشواهد والشهود غير مرغوبين في هذا الوطن.