رفض مسؤول أمني رفيع في المديرية العامة لقوى الأمن الداخلي ما أشيع أخيراً في أوساط الضباط والعسكريين عن اتجاه لرفع الرواتب، معتبراً أن ذلك قد يُحدث تضخماً اقتصادياً، لكنه أشار إلى أنه يؤيد رفع القدرة الشرائية للرواتب عبر زيادة التقديمات لتأمين المستلزمات المعيشية. وكشف المسؤول المذكور أن مؤسسة قوى الأمن بصدد توقيع عقود مع مصارف عدة تتيح حصول العسكر على قروض إسكان بفوائد متدنية، لافتاً إلى أن إحدى وسائل تحسين القدرة الشرائية للرواتب تكون عبر زيادة التقديمات الخاصة، سواء كانت مساعدات دراسية أو مرضية، مشيراً إلى أن الهدف الاستراتيجي هو توفير هذه الخدمات مجاناً. ويعاني العاملون في السلك العسكري بمختلف أجهزته (الجيش وقوى الأمن وجهاز أمن الدولة والأمن العام والجمارك)، شأنهم شأن بقية اللبنانيين، من نار الغلاء المعيشي المستفحل. ورغم أن مواطنين كثراً يحسدون العسكريين على ما يعتبرونه «معيشة كريمة» التي يُفترض أنها متوافرة لهم بفعل وظيفتهم، وما يرافقها من حوافز، إلا أنّهم لا ينالون من ذلك سوى السمعة. فتكون مكاسبهم استناداً إلى المقولة الشعبية السائدة: «صيت غنى ولا صيت فقر». وبحسب ضباط في الجيش وقوى الأمن الداخلي، تُعد الوظيفة في السلك الأمني من أصعب الوظائف العامة. فدوامات العمل وضغوط المهمات الملقاة على عاتقهم لا تتناسب مع النقص العددي الذي تعانيه مختلف الاجهزة. كما أن قانون العمل يُحدد ساعات العمل الأسبوعية بـ 42، لكنّ العسكر (ضباطاً ورتباء وعناصر) يُلزمون بأكثر من ذلك بكثير. وفوق كل ذلك، لا تُحتسب ساعات عملهم الإضافية، وتذهب هدراً من دون أن يعوض عليهم ببدلٍ مادي، علماً بأن ساعات العمل الإضافية يجبر العسكري بها ولا يختارها. وإذا أراد العسكري استبدال ساعات عمله الإضافية بإجازات عطلة، فإن مبلغ خمسة آلاف ليرة يُحسم عن كل يوم عطلة بقرارٍ من رئيس الحكومة السابق فؤاد السنيورة. والمبلغ المجتزأ هو كلفة النقل الذي ترى الدولة أنه لا مبرر لدفعه عن يوم العطلة. وهناك أيضاً، عسكر يعملون ثلاثة أيام مقابل يومي عطلة، فيما يعمل آخرون 4 أيام مقابل 3 أيام عطلة. وبذلك، فإنهم، في مطلق الأحوال، يتخطون ساعات العمل المطلوبة منهم بأشواط. أضف الى ذلك أن أسلوب الخدمة المفروض على العسكري يرتّب عليه بدل المصروف مصروفين. فطبيعة عمله التي توجب غيابه عن المنزل أحياناً، تُضيف أعباء مالية لجهة تكاليف الطعام والشراب والنقل. فيكون بذلك، كأنما يتجشم عناء دفع تكاليف مصروف منزلين.
لذلك كله، يطالب الضباط والرتباء والعناصر بالتفاتة لجهة رفع رواتبهم، أسوة بما حصل مع القضاة، أما ما يحكى عن «زودات» للقطاع العام بدل غلاء معيشة، فيرى هؤلاء أنها ليست غايتهم، مشيرين إلى ضرورة الفصل بين الموظف المدني والعسكري. إذ إن طبيعة عمل الموظفين المدنيين لا يمكن مقارنتها بالعسكريين أبداً.
واقع رواتب العسكريين في المؤسسات الأمنية يشي بمشكلة قد تتفاقم. ضباط كثيرون يؤكدون أن رواتبهم لا تؤمن المستلزمات الضرورية لتوفير مستوى معيشة لائق. ويتساءل ضباط ورتباء كيف يُطلب من العسكري التعفف لجهة رفض الرشى والابتعاد عن الفساد، فيما بالكاد يكفيه راتبه لتوفير الضروريات من مستلزمات الحياة، فضلاً عن الإجحاف المعنوي الذي يشعر به. ويرى ضباط في مؤسسة الشرطة أن المديرية العامة لا تعبأ بهم، وأنها قد تساوم على أي ضابط منهم في كل لحظة. ويقارن هؤلاء أنفسهم بضباط الجيش الذين تبذل مؤسستهم ما في وسعها لحمايتهم. إضافة إلى شعورهم بأن ضباط الرتب القيادية لا يشعرون بمعاناة من هم أدنى منهم. فرواتب العمداء تقارب نحو ثلاثة ملايين ليرة، فيما تقديماتهم أكثر من ممتازة.
وإذا كانت هذه حال الضباط، فما بالك بحال العسكري، مثلاً، الذي يبدأ راتبه بـ 650,000 ليرة من دون أن تترافق مع تقديمات وحوافز كتلك التي يحصل عليها الضباط.
يقارن ضابط نفسه بالقاضي، أيضاً، علماً بأن كليهما حائز إجازة من كلية الحقوق، فيشير إلى أن القاضي يقبض 16 شهراً، فيما يبدأ أقل راتب للقضاة بأربعة ملايين ليرة. ويسأل الضابط المذكور: «هل يُعقل أن يكون راتب ضابط برتبة نقيب نحو 1100 دولار؟».
يشكو الضباط من إهمال المسؤولين للجانب المادي في وظيفتهم، عكس ما هو حاصل في السلك القضائي. يشير هؤلاء الى أن وزير العدل السابق إبراهيم نجّار أولى مسألة رواتب القضاة الأهمية اللازمة، بينما رأى وزير الداخلية السابق زياد بارود أن الأمر لا يعنيه. «وكان الوزير يتهرّب دوماً عند طرح المسألة». يطالب الضباط بضرورة إيجاد حل، وهناك عدد منهم، ممن يحملون إجازات في الحقوق، يفكرون جدياً في تقديم استقالاتهم والتوجه الى السلك القضائي، أو العمل كتّاب عدل أو مباشرين قضائيين، وحتى الدخول إلى معهد القضاة. القضية في عهدة وزير الداخلية الحالي مروان شربل.
تجدر الإشارة إلى أن التقديمات للضباط والرتباء تتضمن مساعدات دراسية وصحية وبدلات نقل، إذ تتكفل مديرية قوى الأمن بدفع نحو 50% من الأقساط المدرسية للرتباء والضباط، إضافة إلى المساعدات الصحية التي، رغم تأخر دفعها في أحيان كثيرة، تخفف الكثير عن العسكري، في ظل ارتفاع كلفة الطبابة في لبنان، فضلاً عن مخصصات البنزين، إذ يحصل المؤهل على 12,5 بون بنزين، فيما ينال الضابط 20 بوناً.



«مصروف ضابط»

يروي ضابط برتبة ملازم أول فصلاً من معاناته لـ«الأخبار» بالقول: «لم أستطع أن أدّخر مصاريف زفافي من راتب الخدمة»، لذلك اضطرّ الى الاقتراض من مديرية قوى الأمن الداخلي. بعد قرض الزفاف، تقدّم الضابط نفسه بطلب قرض إسكان لشراء منزله الزوجي. اليوم، رُزق بطفلة، لكنه يرزح تحت كاهل ديونه. فهو يدفع قسطاً شهرياً لقرض الإسكان قدره 650.000 ليرة لبنانية من أصل راتبه البالغ 1.650.0000 ليرة. وهناك دفعة شهرية قدرها 450.000 لاستيفاء قرض الزواج، و120.000 ليرة بدل اشتراك مولّد، إضافة الى فواتير الكهرباء والمياه. أضف إلى ذلك اشتراك دش وخط هاتف ثابت وخدمات بناية تبلغ تكلفتها نحو 150.000 ألف ليرة شهرياً. وبذلك يبقى من راتبه نحو 200.000 ليرة لبنانية مصروفاً شهرياً.