مرّت الأشهر السبعة الماضية ثقيلة على معظم الضباط المحرومين من الترقية حتى حين، إذ إن لتأخر الترقية المستحقة، بحسب هؤلاء، آثاره النفسية، لأن «الزودة» المالية التي ستضاف إلى رواتبهم لا تكاد تُذكر، فهي تراوح بين 130 ألف ليرة حداً أقصى و40 ألفاً في الحد الأدنى. إذ إن ثقل الأيام التي تمر على الضباط من دون تعليق رتبهم المستحقة، تحمل معها خشية من أن يؤدي تأخّر الترقية إلى حرمانهم منها.
ويعزو عدد من ضباط الأجهزة الأمنية المختلفة الذين جمّدت ترقياتهم سبب التأخير الى «الكيدية السياسية التي مارسها» رئيس الحكومة السابق سعد الحريري. هذا في المضمون، بحسب المستحقين للترقية المتأخرة. أما في الشكل، فيُختصر السبب في غياب مجلس القيادة في قوى الأمن الداخلي بعد إحالة معظم أعضائه على التقاعد من دون تعيين بدلاء منهم. المشكلة بدأت في الأيام الأخيرة من السنة الماضية، عندما وضع مجلس القيادة أسماء الضباط المستحقين للترقية على جداول الترقية. يومها كان المجلس معطّلاً، فتولّى المدير العام اللواء أشرف ريفي دور مجلس القيادة، الفاقد للنصاب، في إدراج الضباط على هذه الجداول. خطوة اللواء ريفي كانت للحؤول دون انتفاء صلاحية صدور هذه الترقيات بموجب مرسوم، إذ إن جداول الترقية، إذا لم تُنجز قبل رأس السنة، تُصبح الترقية في حاجة إلى قانون يصدر عن مجلس النواب. يومها، انطلق المدير العام في هذا الموضوع مما رأى فيه صلاحيات أناطها به القانون بصفته قائماً بمهام مجلس القيادة، جراء عدم قدرة المجلس على الالتئام واتخاذ القرار. فبادر ريفي إلى استباق الموعد المحدد قانوناً لبدء سريان الترقيات لمستحقيها من الضباط ابتداءً من مطلع كل سنة جديدة أي في 1/1/2011، ورفع لائحة يقترح فيها ترقية نحو 400 ضابط من رتب مختلفة ومنح أقدميات لنحو أربعين ضابطا آخرين، من بينهم رئيس فرع المعلومات العقيد وسام الحسن الذي لو مُنح أقدمية السنة لاستحق ترقيته إلى رتبة عميد اعتباراً من 1/7/2011.
خطوة ريفي كانت حينذاك، بحسب أوساط مقرّبة، اجتهاداً منه ليُظهر مدى اهتمامه بمتابعة شؤون ضباطه. فـ«لو أصاب حاز الأجرين، وإن أخطأ فإن شرف التجربة يكفيه». «اجتهاد» ريفي شكّك في قانونيته وزير الداخلية السابق زياد بارود، فلم يوقع الأخير مشروع مرسوم ترقية ضباط قوى الأمن الداخلي، واستفتى هيئة الاستشارات والتشريع في وزارة العدل. وتمحور الجدل حول صلاحية المدير العام في اقتراح هذه الترقيات والأقدميات، حتى لو كان المشمولون بها من المستحقين لها، وهل يحق له المبادرة إلى خطوة كهذه، وهل اقتراح التعيينات والأقدميات هو من صلاحية مجلس قيادة قوى الأمن الداخلي حصراً، علماً أن هذا المجلس معطل وغائب منذ تشرين الأول عام 2010 نظراً الى انعدام النصاب القانوني وعدم ملء الشواغر التي طاولت مراكز بعض قادة الوحدات. رأي الهيئة جاء سلبياً، ليفيد بعدم جواز إصدار ريفي الجداول بنفسه، لأن القانون حصر هذه الصلاحية بيد مجلس القيادة وحده. فكانت الخلاصة أن المدير العام ينوب عن مجلس القيادة في تسيير الأمور الضرورية للمديرية، وعُدّت مسألة الترقيات غير ملحّة.
شكوك الوزير بارود في قانونية الاقتراح الذي رفعه المدير العام لقوى الأمن الداخلي إليه لترقية ضباط من رتب مختلفة في قوى الأمن الداخلي، والذي ترافق مع منح أقدميات لضباط آخرين قاموا بـ«إنجازات»، قطعها يقين هيئة التشريع والاستشارات. فكانت النتيجة أن الاقتراح غير القانوني لم ينل توقيع وزير الداخلية. وبالتالي، لم يحصل ضباط قوى الأمن الداخلي على الترقية. شعور بالخيبة لم يشعر به ضباط الأمن الداخلي فحسب، بل شاركهم فيه ضباط الأجهزة الأمنية المختلفة بعد رفض الحريري التوقيع على مراسيم ترقيتهم، متمسكاً بترقية ضباط الجهاز الأمني المحسوب عليه، ومستنداً في ذلك إلى أنه «لا يجوز تقديم ضباط في المؤسسات العسكرية والأمنية المختلفة على زملائهم في الأمن الداخلي».
مع بداية الشهر الجاري استحق الموعد الثاني للترقية، لكن الضباط سيبقون دون ترقية. فأسماؤهم لم توضع على الجداول أصلاً. ولم يبق أمامهم سوى مجلس النواب يوجّهون أنظارهم إليه ترقباً لإقرار الترقية. وتارة أخرى، ينظرون صوب مجلس القيادة بانتظار تعيين قادة الوحدات فيه.
تجدر الإشارة إلى أن ترقية الضباط في قوى الأمن تشترط صدور مرسومين بحسب المواد القانونية في القانون 17/90 الخاص بتنظيم قوى الأمن الداخلي. فيكون المرسوم الأول بوضع أسماء الضباط المستحقين للترقية على جداول الترقية قبل حلول السنة الجديدة التي ستجرى فيها الترقية. أما المرسوم الثاني، فتقرّ الترقية من خلاله بالاستناد إلى الأسماء المدرجة في المرسوم الأول. وقد حُدد في التنظيم الداخلي لقوى الأمن أن الضباط ينالون الترقية على قسمين، الأول من مستحقي الترقية يكون في مطلع الشهر الأول من العام الجديد. أما القسم الثاني من هؤلاء، فتستحق ترقيتهم في مطلع تموز من العام نفسه. علماً أن قانون التنظيم الداخلي لقوى الأمن ينص على أن الضابط لا يرقى إلى رتبة أعلى ما لم يُدرج اسمه على جدول الترقية الذي يصدر بالنسبة إلى المرشحين لرتبتي عميد ولواء بمرسوم بناء على اقتراح وزير الداخلية المبني على اقتراح المدير العام. أما بالنسبة إلى المرشحين لرتبة عقيد وما دون، فيصدر بموجب مرسوم بناءً على اقتراح وزير الداخلية المبني على اقتراح مجلس القيادة.



400 ضابط على لائحة الانتظار

يترقب نصف ضباط قوى الأمن الداخلي الذين يبلغ عددهم نحو 400 ضابط إصدار قانون في مجلس النواب لبتّ ترقياتهم. وينقسم هؤلاء بين 190 ضابطاً في قوى الأمن برتبة ملازم أول ينتظرون رتبة نقيب. كذلك هناك نحو 100 ضابط برتبة رائد سيعلّقون رتبة مقدّم، وأكثر من 60 ضابطاً برتبة نقيب سيعلّقون رتبة رائد. وهناك أيضاً، أكثر من 10 ضباط برتبة عقيد سيرقون رتبة عميد. فيما ينتظر الرتباء المجازون أن ينظر اللواء أشرف ريفي في أمرهم أو يؤلّف مجلس قيادة حتى ينالوا الترقية على غرار ما حصل مع الرتباء الحائزين على شهادات فوق جامعية.