«من يستطيع أن يصدر حكماً بالسجن على أحد، باسم الشعب اللبناني، سوى القضاة؟ هؤلاء يجب ألا يُنظر إليهم كموظفين، بل كأشخاص سلطة بحسب الدستور. لذلك، قلت للحاضرين في الجلسة: حافظوا على القضاة الأوادم». هكذا علّق وزير العدل شكيب قرطباوي على ما أفضت إليه لجنة المال والموازنة البرلمانية، أول من أمس، حيث أقرّت سلسلة رواتب القضاة بعد نحو شهر ونصف على إقرارها أيضاً في لجنة الإدارة والعدل.
هكذا، يُفهم من كلام الوزير أن الحاضرين في الجلسة لم يكونوا كلهم من مؤيدي هذه الخطوة، التي عادت وأُقرّت في النهاية بعد إصراره هو ورئيس اللجنة النائب إبراهيم كنعان الذي «دفع بقوة في هذا الاتجاه»، على حد قول أحد الحاضرين.
قرطباوي، في حديث له مع «الأخبار»، علل سبب إصراره بالقول: «مع احترامي للجميع، من أصغر حاجب إلى أكبر مدير عام في الدولة، لا يجوز مقارنة أحد بالقضاة. هؤلاء يجب تحصينهم من الناحية المادية، وبعد ذلك فليحاسبني السادة النواب. أنا المسؤول، إن لم يُحاسَب المقصرون منهم أو المخطئون». وفي الإطار نفسه، لفت قرطباوي إلى أن بعض القضاة مضى على دخولهم إلى الجسم القضائي نحو 15 عاماً، ومع ذلك لا تتعدى رواتبهم 4 ملايين ليرة، وهنا يبرز السؤال عن كيفية عيشهم لناحية توفير المسكن والتعليم والطبابة؟ «فعندما نطلب منهم النزاهة وعدم الاستزلام، ولا شيء يبرر ذلك إطلاقاً، يقول المنطق أن يكونوا محصّنين وغير مضطرين إلى مدّ اليد لأحد». في هذا السياق، تستوقف الوزير مسألة خضوع 15 امراة لامتحان القضاة في آخر دورة، مقابل 3 رجال فقط، ليسأل: «هل فكّر أحد في سبب إحجام الرجال عن الدخول إلى الجسم القضائي؟ نحن في مجتمع شرقي ولا يزال كثيرون يرون أن الرجل هو المسؤول الأول عن الدخل المالي للأسرة. هذا هو السبب، ومن أراد أن يعرف أكثر فلينظر إلى رواتب القضاة».
إذاً، أقرّ اقتراح القانون المتعلق برواتب القضاة في اللجان البرلمانية، ولم يعد ينتظر سوى التصويت عليه لدى الهيئة العامة في مجلس النواب. ومما جاء في الاقتراح المذكور، الذي طال قضاة مجلس شورى الدولة وديوان المحاسبة، فضلاً عن العدليين منهم، أنه «يُخصّص لكلّ قاض الراتب الجديد المقابل لراتبه القديم، والدرجة الجديدة المقابلة لدرجته القديمة، مع احتفاظه بحقه في القدم المؤهل للتدرج دون تعديل في الرتبة». أيضاً، تضمّن الاقتراح، المؤلف من 6 مواد، إجازة للحكومة بأن تفتح بمراسيم تتخذ في مجلس الوزراء الاعتمادات اللازمة، لتغطية النفقات المترتبة الدفع، وأن توفّر تغطية هذه الاعتمادات. وأقرّ كذلك، بصورة استثنائية، لمرة واحدة، إعطاء القضاة العاملين درجتين استثنائيتين.
وفي تفصيل للرواتب التي حملها الاقتراح، يصبح الراتب الجديد لقاض يحمل درجة واحدة 4 ملايين و100 ألف ليرة، بعدما كان مليونين و100 ألف. هذا في حد أدنى. أما في الحد الأقصى، وهو لقاض يحمل 22 درجة، فيصبح الراتب 9 ملايين و350 ألف ليرة، بعدما كان 5 ملايين و418 ألفاً. يُذكر أن هذه الزيادات الواردة تتضمن قيمة الدرجتين الاستثنائيتين، التي أعطيت لجميع القضاة، بحيث حُددت قيمة الدرجة الواحدة بـ 250 ألف ليرة بعدما كانت 158 ألفاً.
يُشار إلى أن للقضاة عموماً درجات تُحدّد رتبهم في العمل، وهي في الأساس تقوم على مبدأ الأقدمية، وتبدأ من 1 إلى 22. ويعاني الجسم القضائي حالياً «شُحاً» في القضاة ذوي الدرجات العالية، وذلك بسبب إحالة عدد كبير منهم على التقاعد في الآونة الأخيرة. فمثلاً، ليس هناك قاض يحمل اليوم الدرجة الـ22. كذلك، لا يحمل الدرجة الـ21 سوى قاض واحد فقط. وبالتالي، هذا يعني أن العدد الأكبر من القضاة المستفيدين من رفع قيمة الرواتب هم الجدد نسبياً، إضافة إلى من يحملون الدرجات المتوسطة.
كيف تلقى القضاة خبر إقرار اقتراح زيادة رواتبهم؟ «الأخبار» اتصلت بعدد منهم وسألتهم عن رأيهم. أحدهم لم يكن على علم بالأمر، فبادر إلى إطلاق «زلغوطة» تعبيراً عن فرحته، لأنه كان ينوي جدياً «الاستقالة من العمل القضائي تماماً، والبحث عن عمل لدى مكاتب المحاماة في لبنان، أو ربما في الخارج، وتحديداً في دول الخليج، على غرار ما فعل بعض الزملاء في الآونة الأخيرة». بدورها، رأت إحدى القاضيات الكبيرات أنه يجب معاملة القضاة «كأشخاص سلطة بموازاة أشخاص السلطتين التنفيذية والتشريعية، علماً بأن الجميع هم موظفون في الدولة، من الرؤساء والوزراء والنواب وصولاً إلى أي شخص من عامة الشعب». وتضيف القاضية التي تفخر بأن في لبنان قضاة «من أفضل القضاة في العالم، أن بعض الزملاء تركوا العمل وهاجروا لأنهم رفضوا مد اليد إلى أحد، وبالتالي رفضوا الاستزلام. علماً بأننا نعمل في ظروف لا يستطيع أحد أن يعمل فيها، مادياً ومعنوياً، ومع ذلك لا أحد يوفرنا من سهامه التخوينية في الإعلام، التي ـــ للأسف ـــ تُعمم وتصيب جميع القضاة». في المقابل، تعترف القاضية بأن «ثمة من، يحملون صفة القضاة زوراً، ويجب محاسبتهم حتى لا تُعمم ممارساتهم السيئة ويشوهوا صورة زملائهم». وتختم بالتذكير بطلب، قديم جديد، يتمثل في أن ينشئ مجلس القضاء الأعلى مكتباً خاصاً للدفاع عن القضاة «الذين يظلمهم الإعلام، لكونهم لا يستطيعون الرد والدفاع عن أنفسهم مباشرة، على أن يكون ذلك بالتنسيق والمشاركة مع نقابتي الصحافة والمحررين».



«عقبال المتقاعدين»

رأى رئيس لجنة المال والموازنة النائب إبراهيم كنعان، الذي ترأس جلسة للجنة أول من أمس، أن إقرار سلسة رواتب القضاة يُمثّل «خطوة جذرية باتجاه إصلاح القضاء وتحصين العدالة، فهي تعطي القاضي حقوقاً لم يحصل عليها منذ الاستقلال». ولفت كنعان، بعد الجلسة التي أقرّ فيها الاقتراح المذكور، إلى أن ثمة اقتراح قانون آخر يتعلق بالقضاة المتقاعدين، وسيقدّم في فترة وجيزة، بغية «شملهم في زيادة الرواتب، لئلا يكون هناك نقص في المساواة». يُذكر أن وزير المال محمد الصفدي كان حاضراً في الجلسة، إضافة إلى المدير العام في الوزارة آلان بيفاني.