«ليت وليد جنبلاط تسلّم وزارة الداخلية، لأنه، حتماً، كان سيُصدر قرارات أكثر إنصافاً لسائقي الدراجات النارية، ليس لأنه أفضل من غيره في السياسة، بل لكونه سائق دراجة نارية سابقاً، ويعرف شؤون هذا الأمر وشجونه».هكذا يُعبّر حسين عبد الله، الشاب الذي يقود دراجة منذ 15 عاماً، عن امتعاضه من قرار وزير الداخلية الجديد مروان شربل القاضي بالتشدد في قمع مخالفات الدراجات. وهو القرار الذي تبعه أمر صدر عن المدير العام لقوى الأمن الداخلي اللواء أشرف ريفي قضى بإنشاء مجموعة أمنية من وحدة القوى السيّارة، مزوّدة بمختلف الوسائل لمراقبة وضبط المخالفات، تساعدها دوريات من سائر وحدات قوى الأمن، بغية الحد من عمليات النشل التي تُنفّذ بواسطة الدراجات النارية.
المسألة عند حسين، العاجز عن شراء سيارة، أبعد من مجرد حديث عن مخالفات للقانون، بل هي في «النظرة الدونية» في عيون رجال الشرطة تجاه كل سائق دراجة، وكذلك في عيون المسؤولين، وتحديداً وزراء الداخلية، الذين ما إن يتولى الواحد منهم هذه الحقيبة حتى يُصدر، أول ما يصدر، قراراً يقضي بـ«البطش بسائقي الدراجات، لأنهم يُمثّلون، ربما، الحلقة الأضعف في منظومة السير، ويصوَّرون على أنهم جميعاً من الزعران، وبالتالي يصلحون تماماً لعرض العضلات، فتُهدّ عليهم «المراجل» ويوعَدون بالويل والثبور، حتى ليبدو كأنهم هم العائق الأكبر أمام قيام دولة القانون والمؤسسات».
طارق عيسى، سائق دراجة آخر يُصرّ على وصف نفسه بـ«المحترم». يتفق مع حسين على النظرة الأمنية «الدونية» لسائقي الدراجات. يؤكد أنه يقود دراجته بكل المواصفات القانونية: فلديه أوراق تسجيل، وهو حائز رخصة سوق، ولا تفارق خوذة الحماية رأسه، كما أن لديه أيضاً إذناً رسمياً بالتجوّل الليلي. رغم كل هذه «العدّة»، ما إن يرى حاجزاً للقوى الأمنية من بعيد حتى يستدير ليسلك طريقاً آخر، تحاشياً لـ«الإهانة والاستخفاف، أو قل سماجة بعض رجال الأمن أحياناً». الشاب، العامل في خدمة التوصيل لدى أحد المطاعم، يذكر حادثة حصلت معه الشتاء المنصرم: «طلب مني رجل الأمن التوقف إلى اليمين، ففعلت. طلب هويتي وأوراق الدراجة، فأعطيته إيّاها. وجد أن كل شيء قانوني، فبدا غير سعيد لذلك! طلب مني تشغيل أضواء الإشارات، وهنا حصل أخيراً على مراده بأن «كمش» عليّ عيباً، إذ تبيّن أن إحدى الإشارات لا تعمل، ولم أكن أعلم بذلك، فقال لي: وقعت يا شاطر، قبل أن يحرر محضر ضبط بحقي. رجوته ألا يفعل لأن الأوضاع حرجة، ولا قدرة لي على الدفع. فأجابني بعد أخذ وردّ بأنه قرر عدم العودة إلى المفرزة قبل تحرير 5 محاضر ضبط. وسألني، بكل وقاحة وسخرية، ما إذا كنت أقبل الأذية له من ضابطه إذا عاد صفر اليدين من المحاضر»!
بالطبع، ليس كل سائقي الدراجات النارية من صنف حسين وطارق، إذ لا يكاد يخلو أي تقرير أمني من تسجيل 5 عمليات نشل يومياً، على أيدي سائقي دراجات نارية، وخصوصاً الصغيرة منها، لكن، هذا لا يعني أن «يذهب المنيح بجريرة القبيح»، ولا يعطي القوى الأمنية الحق في الافتئات على كل سائق دراجة، من دون التفريق بين من يستخدمها للتنقل بين منزله وعمله، وهي بكامل المواصفات القانونية، ومن يستخدمها لارتكاب أفعال جرمية كالنشل، فالمسألة «في طريقة الاستعمال، لا في الأداة، تماماً كالسكين، التي يمكن استخدامها في الأكل كما يمكن استخدامها في القتل والإيذاء»، على حد تعبير طارق.
ولعل أكثر ما يغيظ أصحاب الدراجات النارية هو الطريقة التي تتعامل بها قوى الأمن عند احتجاز دراجاتهم لأي سبب من الأسباب، إذ يجري التعامل مع الدراجة، في الحجز والنقل والتخزين، كقطعة خردة لا قيمة لها، رغم أن الدولة تتعامل مع الدراجات النارية كبقية السيارات والآليات، لناحية رسم التسجيل ودفع رسوم الميكانيك ومحاضر الضبط. فمثلاً، عندما يذهب شخص لاستعادة دراجته بعد حجزها يجدها شبه محطمة، وذلك نتيجة نقلها عشوائياً بالرافعة إلى المرأب الذي تُرمى فيه. وتعلن القوى الأمنية كل مدّة إتلاف كميات كبيرة من الدراجات غير القانونية بـ«مكبس» معدني، هي التي لم يذهب أصحابها لاستعادتها، أو لأنه لا أوراق لها في الدوائر المعنية، علماً أن الدولة يمكنها في هذه الحالة الاستفادة منها من خلال إعادة بيعها أو تصديرها بطريقة ما. يُذكر أن عدداً كبيراً من الدراجات يستورَد من الصين بعد شرائه بالكيلو، وإذا أراد المعنيون تحسين نوعيتها يمكنهم وضع شروط على النوعية المستوردة، وهذا منصوص عليه في اقتراح سابق للوزير بارود، موجود الآن في أدراج مجلس الوزراء.
«الأخبار» اتصلت بالوزير مروان شربل، ونقلت إليه بعض الشكاوى الواردة إليها من سائقي الدراجات، بغية الوقوف على رأيه، فأشار الى أن الوزارة في صدد البدء، خلال أيام، بحملة أمنية شاملة لقمع مخالفات الدراجات، وهي «ربما ستظلم أشخاصاً أوادم يلتزمون القانون، لكن لا بد منها لحل المشكلة المتفاقمة، لأن أصحاب الدراجات هم أكثر المتسببين في حوادث السير، إضافةً إلى عمليات النشل التي يمارسونها في وضح النهار».
يشدّد الوزير على إيصال رسالة الى أصحاب الدراجات، عبر «الأخبار»، مفادها «أنني أحبهم، شرط أن يلتزموا بالقانون، وأن يبتعدوا عن الرعونة وقلة الأخلاق على الطرقات». ويلفت الى أن الوزارة في صدد جمع ملفات عن كل سائقي الدراجات، «فمن كان منهم وضعه قانوني ولا سوابق بحقه، فإني أؤكد أنه لن يتعرّض له أحد من القوى الأمنية».
الى ذلك، وإزاء حملة «قمع» مخالفات الدراجات التي باشرتها القوى الأمنية أخيراً، يلاحَظ أن ظاهرة «بهلوانيي اللعب مع الموت» التي أثارتها «الأخبار» قبل نحو 8 أشهر ما زالت على حالها، إذ لم تتخذ شرطة السير المعنية أي إجراء لمنعها. فمع كل ليلة سبت، يحتشد عدد من الشبّان على دراجاتهم الكبيرة عند أوتوستراد خلدة، وكذلك عند طريق المطار الجديد، ليمارسوا حركات «بهلوانية» تُعرّضهم، كما السلامة العامة، للخطر الشديد. آنذاك، وعد مسؤول أمني بمعالجة هذه الظاهرة من خلال تخصيص عديد كاف لها، وهو ما لم يحصل. وفي السياق ذاته، يشير مسؤول أمني سابق، عمل سنوات في شرطة السير، إلى أن هذه الظاهرة لا تحتاج من القوى الأمنية إلا إلى قرار جدي بمعالجتها، بحيث تُرسل إلى هناك دورية من المعلومات أو الاستقصاء، بثياب مدنية، لتحديد أسماء راكبي الدراجات، ومن ثم استدعائهم لتحذيرهم. وفي مرحلة لاحقة يُستدعى المخالف وتُحجز دراجته وتُحرَّر بحقه مخالفة «تؤلمه» وتكون كفيلة بزجره، لأن عدداً من هؤلاء ماتوا سابقاً وما زال بعضهم يتعرّض لإصابات خطرة باستمرار، فضلاً عمّا يسببونه للسيارات المارة من ذعر يؤدي في بعض الأحيان إلى حوادث.
يُشار إلى أن قانون السير لم يتضمن أي إشارة إلى الحركات البهلوانية على الدراجات النارية، ربما لأنه عندما أُقرّ في ستينيات القرن الماضي لم يكن هناك ممارسات من هذا القبيل، غير أن القوى الأمنية تقمع هذه الممارسات تحت عنوان «تعريض السلامة العامة للخطر». ويُعرّف القانون الدراجات النارية بأنها «كل مركبة ذات عجلتين أو ثلاث عجلات مجهزة بمحرك ناري، ولا يزيد وزنها فارغة على 400 كيلو غرام، وكذلك كل مركبة من هذا النوع ذات أربعة دواليب مصنوعة خصيصاً ليسوقها أصحاب العاهات الجسدية».



دراجة بارود الفرنسية

قال وزير الداخلية السابق زياد بارود إنه «لا يجوز الخلط بين سائقي الدراجات الذين يمتهنون النشل، ومن يسيرون وفق الشروط القانونية، الذين ربما ما كانوا ليأخذوا هذا الخيار، بما يحمله من مخاطر، لو كانت لديهم القدرة المادية على شراء سيارة». وفي حديث له مع «الأخبار» لفت بارود إلى أن كثيراً من دول العالم، وتحديداً في أوروبا، تشجّع الناس على قيادة الدراجات النارية، لكونها «تستهلك وقوداً أقل، وتسهم في تخفيف ازدحام السير». يذكر أنه عندما كان يذهب إلى العاصمة الفرنسية كان يستأجر دراجة نارية تفادياً للازدحام، لكن في المقابل، يشير بارود إلى ضرورة تقيّد السائقين بشروط السلامة المرورية، وأن يعتمروا الخوذة الواقية، إضافةً إلى حمل كل الأوراق اللازمة، وذلك «لكي لا يتحولوا من أصحاب حق إلى مخالفين، فيستحقّوا بالتالي القمع».