تزنّر بقايا معابد رومانية قرى متاخمة للحدود مع سوريا في البقاع الجنوبي ـــــ الشرقي. تتناثر الأحجار العملاقة بين الأعشاب وتحت ركام الإهمال والعبث والفوضى والتخريب المتمادي.فعلى ارتفاع يراوح ما بين 1200 متر و1550 متراً عن سطح البحر، عند السفوح الغربية الشمالية لجبل الشيخ وباب وادي القرن السوري، اكثر من معبد روماني. حقبة تركت آثار مجدها هناك قبل أن تردَم وتخرَّب وتسرَق وتنهَب خلال العقود الماضية. فالمنطقة الجردية الوعرة جداً شهدت أعمالاً عسكرية لبنانية وفلسطينية وسورية واسرائيلية ألحقت الأذى والتخريب ببقايا هذه المعابد. أهالي هذه القرى يؤكدون أن جيش الاحتلال الإسرئيلي بين 1982 و1984 نهب الكثير من بقايا القلاع والمعابد، عدا الحفريات التي أجراها عند سفوح جبل الشيخ، إضافةً الى لصوص الآثار من جنسيات لبنانية وعربية عملوا على نقل ما عثروا عليه، فوق الأرض وتحتها، الى خارج لبنان والى قصور و فيلّات شخصيات سياسية وأمنية لبنانية.
في أطراف قرى حلوة وينطا وبكا وعيحا وكفرقوق ودير العشاير تنتشر المعابد الرومانية الضخمة. ولا يجد شخص من قرية هناك حرجاً في «الافتخار» في أنه نقل حجراً الى حديقة منزله مدونة عليه كتابات يونانية، ولا يخجل آخر من القول إنه بنى جدران دعم لحديقته من بقايا معبد روماني، ولا يجد رئيس بلدية ينطا نبيل الحلبي بداً من المطالبة بوجوب الإسراع الرسمي في حماية ما بقي من آثار في أطراف قريته. ويقول: «في ينطا اكثر من موقع أثري. هناك بقايا معبد منسيا، وقد رفعنا لوحة معدنية تدل عليه، وأيضاً هناك قلعة ادريس، التي تحولت الى موقع عسكري فلسطيني لم يزل حتى اليوم قائماً، وثمة بقايا معبد يعرف بالحبيس وآخر بعين الدير». ويضيف الحلبي إن بلديته «تعمل على حماية ما بقي من الآثار، ونمنع بالقوة العبث بها ونوفر ما أمكن من اهتمام»، مناشداً الجهات الرسمية إيلاء ما بقي من معابد في المنطقة اهتماماً، وإعادة وضعها على الخريطة بعد تنظيفها وتأهيلها بما هو ضروري. ويوضح الحلبي أن في خراج قريته الكثير من بقايا نواويس وقطع أثرية تؤشر إلى حقب رومانية.
ويصعب العثور على «آثار منسيا» على جانب طريق ينطا العامة، لولا اللوحة المعدنية التي بدأ الإهمال يطاولها أيضاً. فينطا التي تقع على ارتفاع 1550 متراً عن سطح البحر، وتعدّ القرية اللبنانية الوحيدة على هذا الارتفاع المأهولة بالسكان في فصل الشتاء، يجهد الأهالي في الحفاظ عليها.
وليس بعيداً عن ينطا، في قرية حلوة، بعض بقايا آثار خرّبت على نحو عنيف خلال الحرب الأهلية. يقول طارق الداوود «إن الآثار تعود الى الفترة الرومانية، لكن العمل جارٍ للحفاظ على البيوت القديمة التي تعود الى أيام الأمراء الشهابيين الذين أطلقوا اسم حلوة عليها، نظراً إلى جمال طبيعتها». حلوة التي كانت تعدّ موقعاً استراتيجياً مهماً لأحزاب وتنظيمات لبنانية وفلسطينية وكردية قبل 1990، لا تزال تحتفظ بموقع واحد لهم حتى الآن. يعرب الداوود عن اعتقاده بأن الحماية الذاتية لبقايا المعابد في المنطقة «هي التي تركت لنا بعض الآثار في ينطا وحلوة وبكا ودير العشاير وغيرها من القرى»، آملاً أن تقوم مديرية الآثار بدورها و«تنظم جردة بما تضمه المنطقة، وتدوّن ما يعتقد أنه قد سرق أو نهب».
والى الجنوب الشرقي من حلوة، تقع قرية دير العشاير (1250متراً عن سطح البحر) «حيث ترتفع بقايا المعبد الروماني الذي يعرف محلياً باسم البرج او دير سمعان، وهو من المعابد الكبرى في المنطقة»، كما يقول رئيس بلديتها أحمد نصر، الذي لا يخفي الإهمال المتراكم الذي لحق بالمعبد. ويضيف نصر إن الجهات الرسمية لم تزُر يوماً المعبد أو حتى تضع لوحة واحدة تدل عليه. ويعتقد أهالي القرية أن تلامذة القديس سمعان العامودي استخدموا المعبد خلال عمليات التبشير، مما يشرح الاسم المعطى للمكان. ومعبد دير العشاير ينتصب وسط القرية وتزنّره البيوت الإسمنتية من جهاته الأربع. جدرانه مهددة بالسقوط، وبقاياه بدأت تشهد انهيارات كحال أقبيته وغرفه ما اضطر بعض الأهالي الى تدعيمها بالإسمنت أو بأحجار اللبن ووضع بعض الدعائم الخشبية، فيما تتولى البلدية منع الدخول اليها قدر الإمكان للحد من العبث بها أو تلطيخ أحجارها الكبيرة بشعارات ورمي زجاجات المرطّبات بداخلها. ويقول رئيس البلدية إن المديرية العامة للآثار لم تزر القلعة أو تتفقّدها منذ اكثر من عشر سنوات، «لذا المطلوب الآن إعادة الاهتمام الرسمي بهذه القلعة، وترميمها وفق المواصفات والتقنيات العالمية لحمايتها أولاً وأخيراً».