بدأ موسم المهرجانات في المواقع الأثرية، من بعلبك إلى بيت الدين وجبيل والبترون. كل يغني على برنامجه، ويقدم عروضه، ويستغل تاريخ الموقع وأهميته الأثرية، من دون معاملته بالمثل. فالمهرجانات تستقطب آلاف الزوار في كل حفل، لكن من منهم يزور الموقع الأثري؟ عدد ضئيل جداً؛ لأن زوار الموقع يأتون قبل الحفل بساعات لدخول المواقع التي تقفل أبوابها مع مغيب الشمس. أما بالنسبة إلى الفنانين، فإن عدداً ضئيلاً منهم فقط يزور المواقع، وهذا بالطبع نزولاً عند رغبته. لكن، لماذا لا «تفرض» عليهم زيارة المواقع الأثرية تلك من باب أدبيات الضيافة اللبنانية؟ كذلك، إن وضع زيارة الموقع على جدول أعمال هؤلاء الفنانين إنما هو تأكيد لدفاع لبنان عن إرثه الثقافي وبحثه الدائم عن الترويج له. فصور هؤلاء الفنانين العالميين يسيرون بين الآثار في جبيل وبعلبك وصور هي ترويج عالمي لهذه المواقع، وحملة إعلامية بخسة الكلفة؛ إذ إن معظم وسائل الإعلام المحلية والعالمية تنشر هذه الصور التي يتناقلها لاحقاً عشاق هؤلاء الفنانين على مفكراتهم الإلكترونية وصفحات الفايسبوك. فهذه حملة إعلامية عالمية لآثار لبنان ومهرجاناته. بالطبع، قد يرى منظمو الحفلات أن تلك الزيارة المختصرة للمواقع لا تتماشى مع متطلبات الفنانين العالميين وشروطهم التعجيزية. لكن، ماذا لو «فرضت» وزارتا الثقافة والسياحة هذه الزيارة من باب الأدبيات اللبنانية؟ فعلى سبيل المثال، أحيا الفنان العالمي موبي حفلاً موسيقياً في جبيل الأسبوع الفائت، ولكن لم تنشر له أي صورة أمام معبد المسلات، علماً بأن الملايين من محبي موبي يتناقلون صوره ويتابعون أخباره. تلك فرصة ضاعت، لكن باب المهرجانات فتح لتوه لهذه السنة. إذا استغلت وزارة السياحة ومنظمو المهرجانات هذه الزيارة كحدث إعلامي، لربح لبنان. تماماً كما تعتبر إسرائيل نفسها رابحة كلما نشرت صورة لأحد من الفنانين والسياسيين في متحف المحارق النازية. فكلما وطئت رجل أحدهم أرض تل أبيب، كان متحف المحرقة أول محطة له في الزيارة. ولا يتأخر الإعلام الإسرائيلي والوكالات الأجنبية في إبراز صورهم وهم يجوبون القاعات ويستمعون إلى القصص، وينظرون إلى الصور، ويبقى الضغط الإعلامي نفسه إذا زارت أكثر من شخصية عالمية المتحف يومياً. مما لا شك فيه أن الهدف من تلك الزيارة سياسي أولاً، وسياحي ثانياً. فبالنسبة إلى السلطة العبرية، كلما ذكر اسم إسرائيل أو اليهود بشكل ضحية في وسائل الإعلام، ربحوا. وبما أن إسرائيل استطاعت أن تدخل تلك الزيارة في باب أدبياتها ودعم قضيتها، يمكن لبنان أن يدخلها من باب الأدبيات ويستغلها سياحياً أولاً، وتثقيفياً ثانياً. فكلما برزت صور للبنان بحلة جيدة، استبعدت صورة الموت والحرب التي سيطرت على الساحة العالمية لعقود مضت. وكل مقالة إيجابية أو تعليق أو صورة تنشر عن لبنان، تزيد من رصيده في ميزان السياحة العالمية التي باتت دول البحر الأبيض المتوسط تتحارب عليها.