هل انقرضت أشجار الخروب من الإقليم؟ يكاد هذا السؤال يختصر لسان حال قاصدي المنطقة من الجوار، وحتى بعض أهلها الذين بدأوا يلاحظون ندرة تلك الأشجار، التي كانت حتى سنواتٍ خلت تغرق إقليم الخروب بثمارها. لا يكاد يبقى من الشجرة إلا الاسم الذي نسب إلى المنطقة، فعلى ما يبدو أن حال تلك الثمرة ليست على ما يرام، إذ تتجه شيئاً فشيئاً لتصبح في «خبر كان»، يقول المزارعون. أما المهندس الزراعي محمد الخطيب، فيعزو سبب تراجع زراعة الخروب في الإقليم، كما في قرى لبنانية أخرى كان يزرع فيها، إلى «اجتياح الباطون لمساحات زراعية، وإلى الحرائق التي تتجدد كل عام فتأتي في بعضها على أخضر الخروب، إضافة إلى تحول المزارعين إلى الزراعات البديلة في الخيم البلاستيكية». ولكي لا تصبح الشجرة «ذكرى»، نشطت مؤسسات وجمعيات أهلية وبلدية وزراعية في بلدات الإقليم، لإعادة الاعتبار إلى زراعة الخروب بعد التراجع الكبير في العقود الأخيرة، وقد أقيمت لهذه الغاية ورش توعية للتعريف بمزايا الشجرة وتعدد وظائفها بيئياً وصحياً وأهمية المحافظة عليها كتراث يستمد «شعبيته» من الفوائد التي تقدمها للبيئة ولصحة المواطنين. لشجرة الخروب فوائد عدة: ثمارها ودبسها يوفران غذاءً صحياً، ويستخدمان أحياناً في العلاجات. أما الشجرة نفسها، فتوصف بمقاومتها للجفاف وبقدرتها على النمو في تربة رملية أو صخرية كلسية. ثمة ميزة إضافية، فهي تعمل على تنقية الهواء وترطبه وتجمّل أماكن زرعها. يسهب المهندس الخطيب في شرح فوائد الشجرة، فيشير إلى أنها «موصل جيد للآزوت تنقله من الهواء إلى التربة فتغذيها»، لافتاً إلى أن «شجر الخروب الباسق والمرتفع ينتمي إلى فصيلة الأشجار القرنية، وثمارها عبارة عن قرون خضراء شبيهة بقرون اللوبياء، وقد يصل طول القرن الواحد إلى 20 سنتم ويحمل الكثير من البذار». أما زراعتها فسهلة «وقد تنمو في أماكن السليخ وتزرع كشتول صغيرة مطعمة أو بطريقة رش البذور، لتزهر بعد سنوات قليلة من زرعها وتحمل قروناً». ثمة فوائد أخرى، وربما أكثر أهمية، هي أن «اللبّ يحتوي على مواد غذائية فيها أنواع من الفيتامينات». وتضيف مريم سليم، وهي السيدة التي تقوم بصناعة حلوى من الخروب عندما يكون طرياً، مزايا أخرى لـ«اللب»، فتوضح أن الناس «يمضغون اللب لاعتقادهم أنها تساعدهم على تقوية الأسنان وتعطير الفم برائحة منعشة وزكية».
وعندما تجف «الخروبة» وتصبح سوداء، يعمل الأهالي على استخراج الدبس منها في «المدابس» التي يقل عددها شيئاً فشيئاً أيضاً، أو في البيوت التي لا يزال أهاليها يحافظون على العادت والموروثات الشعبية.
معروف محمد ياسين يمتلك معصرة من ثلاث معاصر دبس منتشرة في بلدة البرجين. يشرح الرجل كيفية استخراج الدبس، فيميّز بين ثلاثة أنواع من الخروب: خروب سندلي (قرنه قصير)، خروب مقدسي (قصير ومعكوف) وخروب عادي (طويل). تبدأ رحلة التصنيع بطحن القرون الجافة وتكسيرها بكسارة حديدية صغيرة وفصل البذور عن اللب. بعد ذلك، يخمّر مزيج القشور واللب بغرفة تخمير لمدة أربعين يوماً أو حتى أكثر. بعد «الأربعين»، يفرز المزيج إلى ثلاثة أنواع: خشن ووسط، وناعم، على أن تنقع في ما بعد بالمياه في أجران نقع (بانيو) لمدة تراوح بين أربع ساعات في الصيف وست ساعات في الشتاء. بعدها، يُصفّى من الماء ويوضع على النار داخل «حلّة» نحاسية لمدة ساعتين أو ثلاث حتى الغليان. ومتى تصاعد البخار منه، تطفأ النار ويعبأ الدبس السميك في غالونات بلاستيك ليكون جاهزاً للبيع.
من فوائد تناول «دبس الخروب»، وفقاً للطب «الشعبي»، أنه يساعد مرضى السكري، فضلاً عن أنه علاج فعال للإمساك؛ لأنه يسهل عملية الهضم وينشط عمل المعدة. وإلى كل هذا، تضاف فائدة أخرى، هي أن الدبس «يقوي خلايا الجسم ويغذيها، وهو علاج للضغط النفسي وحالات الاكتئاب ويمنح متناوليه طاقة جسدية وفكرية، ومدرار للحليب لدى المرضعات». هكذا يقول المواطنون في الإقليم. كذلك يستفاد من ترسبات بذور الخروب لاستخدامها أعلافاً للماشية أو مواد كيماوية مخصبة للأراضي الزراعية .لا تتوقف فوائد بذور الخروب عند هذا الحد؛ إذ تُصدَّر إلى الدول الغربية، ولا سيما فرنسا، حيث تستخدم كمواد أولية في إنتاج مستحضرات طبية وتجميلية.
ثمة «قيمة إضافية» لبذور الخروب، تقول العاملة مريم حمزة، هي أن الناس بدأوا يستخرجون شراباً شبيهاً بمستحضر الكاكاو بعد تجفيف قرون الخروب.