بعيداً عن الأضواء، يُفتح اليوم أحد ملفات قضية «بنك المدينة»، الفضيحة التي ارتبطت بأسماء عاملين في المصرف اختلسوا أمواله، وأثيرت الشبهات حول تورط سياسيين ومتنفذين. عشرات الأسئلة لم تلق أي إجابة، من هم كل المتورطين فيها؟ كيف هرب المتهمون الرئيسيون؟ لماذا تأخر صدور أحكام في القضية؟ من ساند المتهمين بالاختلاس؟ أي فصول لم تُكشف بعد في ملف «بنك المدينة»؟ لماذا جرت محاولات للفلفته؟ و...صباح اليوم، من المفترض أن يُساق طه قليلات إلى محكمة الجنايات في بعبدا ليخضع للاستجواب في قضية رفعها عليه عدنان أبو عياش (مساهم بالأكثرية في البنك)، متهماً إياه بسرقة المصرف، التهمة التي وجهت أيضاً إلى أشخاص آخرين متواطئين معه ومع شقيقته رنا في هذه السرقة.هذه المرة، يبدي المتابعون للقضية ارتياحاً كبيراً، فالقاضي الذي ينظر فيها أخيراً هو رئيس محكمة الجنايات في جبل لبنان هنري خوري «الذي يُعرف عنه أنه شديد الاستقلالية والنزاهة ولا يخضع للضغوط مهما كان نوعها». الكلام على القاضي خوري يطال عشرات الملفات التي أصدر فيها أحكاماً تُعد مثالاً على العمل القضائي النزيه ويحمل بعضها اجتهادات يجدر التوقّف عندها.
إنها الفضيحة التي كان من المفترض أن تهزّ البلد و«تُسقط عروش سياسيين كبار»، هذه القضية في أيدٍ أمينة، سقف التوقعات الذي يتحدث عنه متابعون لملف «بنك المدينة» وقانونيون مرتفع، يقول بعضهم إن «المتابع للملفات القضائية على اختلافها، يمكنه القول بأن ثمة محطات مهمة في الحياة القضائية اللبنانية، بالأحرى ثمة قضاة قدموا أحكاماً مهمة جداً ولم تُسلّط عليها الأضواء، في هذا الإطار يمكن تفسير الآمال التي نعقدها في قضية بنك المدينة. القاضي خوري معروف باستقامته من جهة، وسعة اطلاعه من جهة ثانية، لذلك فإن تحويل هذا الملف إليه يعني أن القضية لن تُطوى، ولن ترمى في أدراج تتراكم فيها الملفات، القضية ستصل إلى النهاية المبتغاة، والعدالة ستأخذ مجراها».
قصة طه قليلات تصلح لفيلم هوليوودي طويل، فيها كل عناصر التشويق والإثارة، سرقة مصرف، تواطؤ مع «كبار»، هروب من العدالة، اختفاء أو تسلل عبر حدود ما، ملف تُسلط عليه الأضواء وتنحسر عنه بما يجعل المعلومات الحقيقية عنه قليلة. الشاب الذي كان عاملاً في مهن بسيطة صار فجأة «مليارديراً»، الركن الأساس لهذه الثورة شقيقته رنا المتهمة الرئيسية في اختلاس أموال «بنك المدينة». هذا الشاب نفسه بنى شبكة من العلاقات مع سياسيين وأمنيين، يقول رواة قصته، ويضيفون إنه راح «يرمي المال يمنةً ويسرةً»، رشى تتلقفها أيدي نافذين.
عام 2006، أوقف طه قليلات، ثم أُخلي سبيله وظل جواز سفره مصادراً، لكنه تمكن من التواري عن الأنظار.
تتابعت فصول القضية، ولم يحضر طه قليلات الجلسات التي كان يُستدعى إليها، فيما كانت بعض الجلسات تؤجل بسبب تغيير الموكلين، وهذا تكتيك يُعتقد أنه اعتمد في محاولة للالتفاف على مسار القضية. تعددت على أي حال جوانب القضية، ونظر فيها أكثر من قاض، تنحّى بعضهم عنها. وفي «يوم أمني»، في 18 آذار تحديداً، أوقف طه قليلات على حاجز للجيش اللبناني في منطقة المدفون، بموجب مذكرة توقيف صادرة عن النيابة العامة في جبل لبنان. سُلّم الموقوف إلى مخفر البترون، وبدل أن تسلّمه قوى الأمن إلى النيابة العامة في بعبدا سلّمته إلى النيابة العامة في طرابلس. حينها قال مسؤول أمني لـ«الأخبار» إن النيابة العامة في الشمال وافقت، بموجب تقرير طبي تقدم به وكيل قليلات، على نقل الأخير إلى المستشفى الإسلامي في طرابلس بحجة أنه يعاني من الربو. وقد جرت محاولات لإخلاء سبيله.
طه قليلات يقبع حالياً في سجن مركزي، والقضية اتخذت مسارها المنتظر.