طفلٌ يُكفكِف دموع امرأة عجوز اتّشحت بالسواد، يجلس في حُضنها، يلاعب ورقةً في يده. «يكاغي» قليلاً بينما صراخ حاضنته تخنقه العبرات. صراخٌ يختلط بأنين تقشعرّ له أبدان الحاضرين. ليست والدته، تتّضح الصورة، هي امرأةٌ فُجعت بوحيدها وتُطالب بمحاكمة من تسبب في موته. الطفل حفيدها، أما هي فوالدة الشاب السجين جميل أبو عنّة الذي توفّي خلال أحداث تمرّد سجن رومية المركزي. ذلك الشاب الرياضي الفقير الذي دخل السجن لأنه لا يملك دفع فدية من دهسه.. فحكم عليه القاضي بالسجن، ليتوفّى في ظلمة الزنزانة لأنه لم يحصل على دواء الإنسولين. والدة جميل أبو عنّة كانت ضيفة الشرف. حضرت لتُقدّم شهادة حيّة نموذجاً لكثير من أمّهات الموقوفين في ورشة عمل بعنوان «انتفاضة سجناء رومية والمعالجات المطلوبة» أقامها مركز الخيام لتأهيل ضحايا التعذيب في فندق الكومودور أمس. بدأت ورشة العمل بكلمة ألقاها الأمين العام لمركز الخيام محمد صفا قدّم فيها لمحة تاريخية عن تطوّر النظرة إلى السجون التي «كانت في الماضي مقبرة الأحياء» حيث يُعمد إلى الانتقام منه بالتعذيب. وانتقل صفا إلى هدف المؤسسات العقابية الذي يُفترض أن يكون تأهيل المجرم وإصلاحه. كذلك تحدّث صفا عن مأساة السجون في لبنان في ظل غياب المعالجات الجذرية. تحدّث الأمين العام لمركز الخيام بإيجاز قبل أن يسرد بعضاً من التوصيات قوامها وضع خطة إصلاح شاملة وجذرية لقضية السجون. أُعطي الكلام من بعده للسيدة أنطوانيت، والدة السجين المتوفى جميل أبو عنّة. حكت أنطوانيت عن معاناتها بغير الكلام. بكت وهي تُمسك بابن جميل الذي رحل ولم يبق من رائحته غير هذا الطفل. وجّهت الكلام لرئيس قسم حقوق الإنسان في قوى الأمن الداخلي الرائد زياد قائدبيه. سألته: «من سيربّي هذا الطفل؟» صمتت قليلاً من دون أن تسمع جواباً، فجالت بعينيها على الحضور دون أن تراهم وتساءلت: «ماذا سأقول لهذا الطفل إذا سألني كيف توفّي أبي». الوالدة المفجوعة لم تتمكن من الاستمرار في الكلام فانفجرت بالبكاء مطالبة بإنزال العقاب بالمسؤولين عن مقتل ابنها. بعد ذلك أخذ الكلام الرائد زياد قائدبيه، وجّه كلمات العزاء للسيدة أنطوانيت وأخبرها بأن هناك تحقيقين للوقوف على حقيقة ما جرى. الأول مسلكي تجريه المفتشية العامة لقوى الأمن الداخلي، والثاني عدلي يُجريه مفوّض الحكومة لدى المحكمة العسكرية. وتحدّث الرائد قائدبيه عن حجم الكارثة التي أصابت السجن المركزي مؤكداً أن العمل جار على قدم وساق للنهوض بالمؤسسات العقابية. وأشار إلى أن القوى الأمنية تقوم بالمسؤولية الملقاة على عاتقها وفق قاعدة أن «الله لا يُكلّف نفساً إلا وسعها». فُتح النقاش بعد ذلك ليشارك فيه محامون وممثلون عن جمعيات أهلية قبل أن تُتلى التوصيات التي كانت أبرزها الدعوة إلى عقد مؤتمر وطني برعاية قسم حقوق الإنسان في قوى الأمن الداخلي تحضره الوزارات المعنية لمناقشة قضية السجون بتشعباتها المختلفة. في الفترة التي عُقدت فيها ورشة العمل، نقلت الوكالة الوطنية للإعلام خبراً عن إقدام ثلاثة سجناء في قسم الموقوفين، الجناح «ب» من السجن المركزي، على تشطيب أجسادهم بآلات حادة. وأشارت الوكالة إلى أن السجناء الثلاثة نُقلوا إلى مستشفى ضهر الباشق للخضوع للمعالجة وسط حراسة أمنية مشددة، فيما تولّت عناصر الحماية مسألة الحؤول دون حصول أية تداعيات داخل القسم المذكور أو باقي أجنحة السجن.