لم تفاجئ شجرة الصبار صاحبها بطرس أبو صالح حين حملت أكوازاً خلال آذار الفائت؛ «لأن الشجرة تنمو فوق أكوام السماد المتكون من فضلات الطعام والأشجار، ما أعطاها طاقة وحرارة جعلتاها تثمر قبل أوانها» بحسب أبو صالح، رئيس الجمعية التعاونية للإنماء الزراعي والحيواني في صربا (النبطية). الجمعية التي تكوّنت منذ أربع سنوات، جعلت قضية تحويل الفضلات المنزلية العضوية وما يقتلع من أعشاب ويسقط من أوراق الشجر وأغصانها إلى سماد طبيعي خال من المواد الكيميائية على رأس أولوياتها.وجميع الفضلات (زجاج ومعادن وكرتون ونايلون)، في ما عدا اللحوم والزيوت والمواد الصلبة، من العوامل المساعدة على إنتاج السماد «الصرباوي» الذي باعت منه الجمعية خلال العام الفائت فقط نحو 200 كيس، سعة كل واحد منها 25 كيلوغراماً، وبسعر عشرة آلاف ليرة للكيس.
حمل أبو صالح الفكرة من فرنسا في عام 1993، وبدأ بتجربتها في إحدى زوايا الحقل القريب من البيت، وبعد ثمانية أشهر من فرز فضلات الطعام عن قشور البطاطا والبيض وبقايا الخضار والفاكهة وما يسقط من أوراق الشجر وما يُقتلع من الأعشاب وتجميعها، ثم «تقليبها كل أسبوعين أو ثلاثة بغية تعريضها للهواء والحرارة، قبل رشّها بالمياه لتبقى رطبة، ما يساعد في عملية التخمير، وجدتُ أن السماد الطبيعي صار جاهزاً للاستخدام في الحقل عوضاً عن شراء الأسمدة الكيماوية، وبنتيجة ناجحة جداً» كما يشرح أبو صالح.
تلك كانت التجربة المبدعة وراء ولادة التعاونية، ما دفع ببرنامج التنمية التابع للأمم المتحدة (UNDP) إلى مد يد العون لها، من خلال تقديم جرار زراعي وجرافة صغيرة. «لكن المشروع ظلّ ناقصاً، فالجرار لم يستطع تلبية حاجاتنا بسبب صغره، والجرافة تحتاج إلى مواد ثقيلة لتتمكن من تحريكها، فيما يحتاج المشروع إلى عمال دائمين، وكذلك إلى آلات لطحن السماد من كتل وخشن إلى ناعم لكي يسهل توزيعه وتعبئته حتى يكون قابلاً للتسويق». فالمشروع يحتاج إلى مبلغ يقل عن خمسين ألف دولار أميركي لكي يصبح قيد التداول ويعطي مردوداً يسهم في خلق دورة اقتصادية متكاملة، بيد أنه يحتاج كذلك إلى إسهام البلدية في إنجاحه. «العام الفائت، اتصلنا ببلدية صربا، وجمعنا النساء في القرية، وشرحنا لهن أن المواد العضوية التي تذوب في البيئة هي ما نحتاج إليه، لكننا نحتاج إلى فرزها عن تلك الصلبة والأخرى غير قابلة للتلف في المنازل. ذلك يوفر مواد ناجحة للمشروع، نقوم نحن بجمعها وتحويلها».
إذاً، ينطلق المشروع من ضرورة فرز النفايات في المنزل. لكن استسهال التخلص من النفايات المنزلية من خلال تجميعها في أكياس ورميها في المستوعبات لم يترك للجمعية مجال الاستفادة من نفايات المنازل في صربا، فلجأ الأعضاء إلى فرز نفايات بيوتهم وتجميعها في حقول قريبة، والاستعانة بأوراق الشجر، وخصوصاً أوراق الزيتون التي تجمعها المعاصر خلال فصل الورق عن الحبوب، مع الأعشاب التي تجمعها البلدية عن جوانب الطرقات، ما راكم أكواماً متواضعة استفادت منها الجمعية.
وللاستفادة من أغصان الشجر، وخصوصاً في موسم التشذيب والتقليم في كروم الزيتون المنتشرة في صربا والجوار، مع «العرائش» والأحراج البرية، اشترت الجمعية آلة فرم تحول الأغصان إلى «نشارة» تحتوي على كميات كبيرة من الدهون «البنّية» و«الكربون» تضاف إلى الأعشاب وأوراق الشجر الخضراء المحتوية على مادة «الآزوت». كل هذا التراكم والخليط «يخلق سماداً فيه الخصائص التي تفيد الشجر ويسهم في تخزين المياه وإحياء التربة ورفدها بمواد خرجت منها وعادت إليها» كما يشرح أبو صالح، محذراً من استخدام نشارة النجارين التي تحتوي على مواد كيميائية تصبح مضرة للتربة والمياه الجوفية.
كذلك، كان يمكن التعاونية الاستفادة من «جفت» الزيتون، لولا احتواؤه على ما نسبته عشرة في المئة من الزيوت، فذلك يجعله «يحتاج إلى أكثر من سنتين في الشمس حتى ينشف زيته». إلى جانب الاستفادة من السماد الطبيعي والحد من مفاعيل النفايات على البيئة، ترى تعاونية صربا أن هذا المشروع يسهم كذلك في الحدّ من الحرائق بسبب استخدام الأعشاب الخضراء قبل يباسها، وفرم أغصان الشجر التي تساعد في انتشار الحرائق «ولكي يتحقق كل ذلك علينا الانخراط جميعاً في هذا المشروع، من بلديات وربات بيوت وجمعيات، وربما وصلنا من خلال تعاون متكامل إلى إنشاء مصنع طبيعي للأسمدة يدرّ على الجميع نفعاً غذائياً واقتصادياً وبيئياً»، كما يأمل أبو صالح ونأمل معه.