لم تكد الأجهزة الأمنية الرسمية المختلفة المهمات والوظائف والامتدادات تستوعب عملية اختطاف مجهولين لسبعة أوروبيين (من الجنسية الاستونية) قرب المدينة الصناعية في مدينة زحلة مساء الأربعاء الماضي، حتى استيقظت على دوي انفجار صغير، فجر أمس الأحد، استهدف كنيسة السيدة التابعة لطائفة السريان الأرثوذكس في المدينة الصناعية بزحلة أيضاً. دراجات هوائية مركونة في مخفر صغير لقوى الأمن الداخلي تنتظر أصحابها، وكنيسة لا تبعد عن مكان خطف الاستونيين أكثر من 3 كيلومترات «قرع» دويُّ انفجار جرسَها في غير موعده. فيلم أمني طويل يتابعه اللبنانيون بقلق وتوتر على شاشة عرض قد تكون أكبر من سهل البقاع المزنّر بكل ألوان الطبيعة. وحده اللون الأسود كان مسيطراً على وجوه رجال الأمن وأجهزة الاستخبارات اللبنانية «الملونة» التي تبحث عن سبعة مخطوفين أجانب في «كومة قش» على ما يبدو، وهي بدأت تبحث منذ فجر أمس عمّن يقف وراء استهداف كنيسة السيدة في زحلة. «الانفلات الأمني» على أرض سهل البقاع، هو سيد الموقف الآن. وصبّت الزيت على ناره تصريحات بعض الساسة والقادة المحليين نزولاً عند مقتضيات انقسام أجنداتهم المحلية والإقليمية، فيما يتخبط «الميدان» الأمني في عمله، مطارداً كل شاردة وواردة، وحتى أصغر شائعة تمهّد لكشف سر اختطاف الاستونيين السبعة ومن يقف خلف هذه العملية الأمنية المنظمة، ومن بعده التفجير الصغير الذي استهدف كنيسة؛ إذ أصبح الاقتناع الأمني الرسمي شبه راسخ في ربط الحادثين الأمنيين، أو تلازم مسارهما من نبع واحد. وكشفت معلومات خاصة بـ«الأخبار» أن تعميماً أمنياً سرياً وزعه جهاز استخباري لبناني بعد يومين من عملية خطف الاستونيين، يطلب التحري والاستعلام عن سيدة استونية وتوقيفها. ورفض مصدر «الأخبار» كشف هوية هذا المواطنة الاستونية وما إذا كانت لا تزال في لبنان أو غادرته. وأوضح المصدر أن استخبارات الجيش اللبناني كانت قد استمعت إلى إفادة هذه السيدة إثر اختطاف رفاقها السبعة. وقال إن هذه السيدة كانت من عداد المجموعة الاستونية التي دخلت لبنان ولم ترافق رفاقها في رحلتهم إلى سوريا، بل بقيت في برمانا، و«حين خطف السبعة استمعنا إلى إفادتها على سبيل استيضاح بعض الأمور، وحين طلبنا الاستماع إليها مرة أخرى اختفت فجأة، والبحث جار عنها».البحث الأمني عن الاستونيين السبعة المختطفين ورفيقتهم الثامنة المختفية عن الأنظار لم يكن قد توصل ميدانياً إلى طرف خيط يوصل إلى مكان احتجازهم المفترض، فيما بقيت ما صورته كاميرا إحدى المؤسسات التجارية على طريق بر الياس ـــــ المصنع، ضمن التوقعات أو الاحتمالات في أن يكون الخاطفون قد توجهوا نحو منطقة في سهل البقاع الجنوبي. ولم تؤكد المصادر الأمنية أو تنفِ المعلومات المتداولة عن أن «الفان» الذي نُشرت صورته في صحف محلية وعلى مواقع إلكترونية، قد يكون مستخدماً من الخاطفين، حيث لم تظهر مشاهد الكاميرا الملتقطة صورة أخرى لفان ثان قيل إنه قد استخدم في عملية الخطف، ولا سيما أن الطريق الدولية المذكورة تشهد يومياً عبور مئات فانات نقل الركاب، وهذا ما لاحظه الضابط الأمني الفرنسي ورفيقه الاستوني خلال تفقدهما مكان عملية الخطف وخط سير فرار الخاطفين المحتمل.
ونزولاً عند المعلومات الأمنية المتوافرة عن المكان المفترض وجود الخاطفين فيه، أو المتوقع وفق بعض الحسابات الأمنية ـــــ السياسية، أجرى الجيش اللبناني مسحاً جوياً وبرياً لجبل عربي الذي يفصل قرى أقضية راشيا عن قرى البقاع الغربي، حيث الكهوف والمغاور والمعابر والمسالك الوعرة. وبعد يوم طويل من البحث امتد من فجر السبت وحتى ظهر أمس، لم تكن وحدات الجيش قد توصلت إلى أي شيء يدل على وجود الخاطفين والمختطفين في المنطقة. ونفذت وحدات الجيش كذلك انتشاراً أمنياً واسعاً امتد من القرعون مروراً ببعلول ولالا وصولاً إلى جب جنين والصويري وكل الطرق التي تربط هذه البلدات بعضها ببعض مع تفتيش لبعض المنازل المهجورة. وقال مصدر أمني لـ«الأخبار» إن التحقيقات متواصلة لمعرفة مكان وجود الخاطفين وهويتهم وتحرير المخطوفين. ورفضت هذه المصادر التحدث عن احتمال تسلل الخاطفين مع الاستونيين السبعة إلى خارج الأراضي اللبنانية، مكتفية بالقول: «البحث جار ولا معلومات لوسائل الإعلام. لا تضغطوا علينا أكثر».
انفجار الكنيسة
وفي مكان ليس ببعيد عن مكان خطف الاستونيين السبعة، فجّر مجهولون فجر أمس الأحد عبوة قرب الباب الجانبي لكنيسة السيدة التابعة لطائفة السريان الأرثوذكس في حي المدينة الصناعية بزحلة. وأدى انفجار العبوة الصغيرة الحجم إلى إلحاق أضرار مادية في جانب من الكنيسة مع تناثر زجاج بعض الأبنية السكنية المجاورة وسيارات مدنية كانت مركونة قرب الكنيسة.
الانفجار الذي أحدث هلعاً في صفوف سكان الحي، قدرت زنة عبوته الناسفة بنحو 1500 غرام من مادة T.N.T. وقال مصدر أمني لـ«الأخبار» إن العبوة فجرت عن بعد بواسطة جهاز هاتف خلوي قرابة الساعة الرابعة من فجر الأحد. وأضاف أن خبير متفجرات من قوى الأمن الداخلي أجرى مسحاً شاملاً، بالتزامن مع بدء تحقيقات وتحريات أمنية واسعة لمعرفة هوية الفاعلين وأهدافهم. وأوضحت هذه المصادر أن الانفجار الصغير «لا يمكن فصله عن عملية اختطاف الاستونيين السبعة، فنحن وضعنا هذا الاحتمال الأمني، لكننا أطلقنا أوسع التحقيقات والاحتمالات، وقد نصل إلى شيء خلال ساعات».
وخلال تفقد مكان الانفجار، تبين أن العبوة زرعت قرب باب جانبي يقع من الجهة الغربية للكنيسة، ويبعد نحو 20 متراً عن المدخل الرئيسي للكنيسة. واقتلع الانفجار الباب الجانبي الحديدي والباب الخشبي الداخلي، مخلفاً عشرات الثقوب الخفيفة في الجدران الداخلية نتيجة تطاير الشظايا، وتبعثر مقاعد الكنيسة وكامل زجاجها. وتضررت هياكل 7 سيارات مدنية جزئياً، وأخرى بصورة طفيفة. وبعد وقوع الانفجار ضربت وحدات من الجيش اللبناني وقوى الأمن الأمن الداخلي طوقاً أمنياً محكماً حول محيط الكنيسة، مانعة المواطنين من الاقتراب، مع إقامة نقاط تفتيش في مختلف أنحاء حي المدينة الصناعية. وقد حضر قائد الدرك بالوكالة العميد صلاح جبران، ومفوض الحكومة لدى المحكمة العسكرية وكبار ضباط الجيش اللبناني واستخباراته، متفقدين مكان الانفجار الذي تحول إلى منصة لإطلاق المواقف السياسية المختلفة. واختتم كبار القادة الأمنيين جولتهم التفقدية باجتماع أمني موسع في سرايا زحلة الحكومية، قدم خلاله كل منهم وجهة نظره الأمنية وخطة العمل الواجب اتباعها.



بارود: الأمن خط أحمر

تفقّد وزير الداخيلة في حكومة تصريف الأعمال، زياد بارود، كنيسة السيدة للسريان الأرثوذكس التي استهدفت بتفجير صغير فجر أمس الأحد. بارود استمع من قادة الأجهزة الأمنية إلى آخر المعلومات المتوافرة عن الانفجار، وتوقيته ومخلفاته والافتراضات الأمنية المتوافرة، وفق معلومات أوّلية.
جولة بارود السياسية بامتياز، والمؤكدة لدور وزارته في حفظ الأمن، أسهمت في جانب منها في الحدّ من بعض التوتر المعنوي الذي أصاب مرجعيات الكنيسة، كنتيجة طبيعية متأتية من الانفجار وتوقيته ومكانه وخلفياته المجهولة. وقد طمأن وزير الداخلية إلى أن القوى الأمنية تعمل على مدار الساعة لكشف كافة الملابسات، مؤكداً أن على السلطة السياسية أن تتحمل المسؤولية «عن كل ما يحصل». وأضاف بارود أن أي سلطة أمنية «إن لم تواكب من السلطة السياسية، فهناك مشكلة»، لافتاً إلى أن تأليف الحكومة لا يقتصر على الحقائب، «بل هناك مطالب للناس، والأمن خط أحمر». وأمل من مجلس الوزراء أن يواجه التحديات الكبيرة، لأن «هناك ضغطاً كبيراً على مستوى المنطقة، ويجب أن نحصّن أنفسنا».