النبي عمران، شخصية دينية تاريخية أعطت اسمها لحيّ في بلدة القليلة التي تفتخر بأنها تحتضن مقام والد السيدة العذراء منذ أكثر من 1300 سنة. والنبي عمران هو بحسب المصادر الدينية الإسلامية والد السيدة مريم، الذي يطلق عليه في الأناجيل غير الرسمية (Apocryphes) اسم يواكيم.
والمقام يحضن الطائفتين. فمئذنته التي لا يزيد عمرها على ستة عشر عاماً تحتضن في ظلالها غرفة كبيرة قديمة البناء، تعتليها قبة خضراء. ويتوسط الساحة الخارجية صليب حديث صنع يدوياً من الخشب يرمي بظلاله على المقام، الذي تشير الروايات التاريخية إلى أنه يضم ثرى النبي عمران. المقام مربع الشكل بطول يصل الى ثمانية أمتار ويتكوّن سقفه من أربعة عقود مختلفة الأحجام. في الداخل، تختلط العقائد الدينية، فالشعارات والأدعية والأيقونات والنذور الدينية تزدحم حول ضريح النبي المبني من الحجر، الذي غُطي بقماشة خضراء. وعلى الرف العريض توضع الفوانيس والسبحات والشموع، وفي الحائط الجنوبي بني محراب الصلاة، الذي يرتفع سقفه على شكل قبة. وتبقى التيجان الرخامية واسكفية الباب المستطيلة والرخامية أيضاً أكثر ما يميز المقام. ويعدّ هذا المعلم التاريخي ـــــ الديني مركز حج مهماً لأهل المنطقة وزوارها، إذ تؤكد أحاديث كثيرة أن المقام يضم ثرى النبي عمران والد السيدة مريم، فيما أشارت روايات قليلة إلى أن عمران هو والد النبي موسى. حتى إن هناك روايات ذكرت أن مريم بنت عمران من القليلة حيث دفن والدها.
من هنا، فإنه من المنتظر أن يكون اليوم محجة للمؤمنين من بلدات المنطقة، الذين سيؤمّونه لإحياء الصلوات لمناسبة عيد بشارة السيدة مريم العذراء. وكان مشهد مماثل قد تحقّق يوم الأحد الفائت بمسيرة دينية باتجاه المقام دعت إليها كل من بلديّتي قانا والقليلة وكشافة التربية الوطنية وجمعية «بلدتي» وحركة «مريم»، تحت شعار «على خطى السيدة مريم العذراء» لمناسبة عيد بشارتها. ورغم أن المقام يُعدّ قبلة المسيحيين في مناسباتهم الدينية ومحجةً للمسلمين طوال أيام السنة لوجوده في بيئة مسلمة، يلفت رئيس بلدية القليلة جمال شبلي إلى أن المقام «ليس مدرجاً رسمياً على لائحة المواقع السياحية الدينية، مع العلم بأنه موقع مشترك إسلامي ـــــ مسيحي لذا تنوي البلدية الترويج له، وقد وضعت مخططاً لتأهيله وتكريسه سياحياً بالتزامن مع مطالبتها بدعم المديرية العامة للآثار ووزارة السياحة».
وأهمية الموقع وقيمته لا تقتصران على الطابع الديني ووجود ضريح النبي عمران، بل إنّه يكتسب أهمية أثرية عبر العهود التاريخية. وبحسب مدير المواقع الأثرية في قضاء صور علي بدوي، «يعود بناء المقام إلى الفترة ما قبل الصليبية. فهناك وثيقة يعود تاريخها إلى القرن الثالث عشر تذكر هذا المكان. ففي الاتفاقية على تقاسم الأراضي بين سلطان المماليك قلاوون ومارغريتا حاكمة صور في العهد الصليبي ذكر المقام الذي كان يعرف حينها بدير عمران. مما يعطي المكان بعداً تاريخياً على صعيد المبنى والتقاليد الدينية التي تعود الى ما قبل الحروب الصليبية».
وكانت المديرية العامة للآثار قد أجرت سنة 1996 أعمال تنقيب في العقار المجاور للمقام أظهرت في طبقات مختلفة آثار معبد روماني مكرس على اسم سابينا، زوجة الإمبراطور الروماني ادريانوس، كما وجدت آثار لكنيستين، الأولى بنيت في العهد البيزنطي، والثانية في العهد الصليبي. ولأهمية المكتشفات، استملكت المديرية العقار المجاور وغطّت المكتشفات بانتظار توفير تمويل لتأهيل الموقع وتكريسه موقعاً سياحياً دينياً. إشارة الى أن العقار الواقع عليه المقام، تملكه مديرية الأوقاف في المجلس الإسلامي الشيعي الأعلى.