«كنّا أربعة طلاب نجوب المنازل لتوزيع نحو 150 عدداً من جريدة الأخبار، بسعر ربع ليرة للواحدة» يقول المختار بشارة خليفة، والابتسامة ترتسم على وجهه. كان ذلك في أوائل الخمسينيات «ومنذ ذلك الحين، الجريدة عزيزة على قلبي». لكن من يتحدّث مع خليفة، يكتشف أن الأشياء التي تعزّ عليه كثيرة، ومنها ما يعود إلى الطفولة. فالمختار الذي وُلد في غادير عام 1937، لا يزال يتذكر صوراً من مآسي الحرب العالميّة الثانية. صور أخرى يحتفظ بها التقطتها عدسته خلال عمله، لمدة 22 عاماً، مع وكالة تاس السوفياتيّة للأنباء، كان ذلك بين عامي 1954 و1978. «هذه المهنة علّمتني الكثير، فهي فنّ معرفة الأحداث قبل الآخرين وبثّها لهم، ومن يدخل إلى عالمها يدمن عليه، وأنا لا أزال أكتب المقالات دوريّاً، فضلاً عن كتاب من توقيعي يحمل اسم الثلج الحارق». «المدمن» على الإعلام هو مدمن من نوع آخر على خدمة الناس. منذ انتخابه مختاراً في 24 أيّار عام 1998، يفتح أبواب مكتبه لاستقبال المواطنين من رأس كسروان حتّى ساحلها. «بدّي خدمة الناس» يقول بفرح، مضيفاً: «يعرفني أبناء المنطقة من فاريّا إلى جونية، وأنا أظهر صورة الحزب الشيوعي ووجهه من خلال عملي على الأرض». في الانتخابات الاختياريّة الأخيرة، يروي أنّه حورب من «رؤوس كبيرة». المعركة الأخيرة أعادت إلى ذهنه الكلام الذي سوّق في المنطقة في انتخابات الـ 2004 عن أن «هيدا زلمي شيوعي بدّو يخرّب الضيعة إذا طلع مختار»، كلام لم يؤثّر بمواطنين انتخبوه من دون معرفة شخصية، مكتفين بالصورة التي كوّنوها عنه ممّن حولهم.
المختار اليوم لا يختلف عن «مختار الـ 1998». هو يسهّل أعمال المواطنين وينجز إخراجات القيد الفرديّة والعائليّة، إفادات جوازات السفر، إفادات السكن وغيرها من المعاملات ... من دون أيّ بدل مادّي. هو أيضاً مختار بكركي، يحضّر كلّ وثائق الزواج للأعراس التي تحصل فيها. يمضي قبل الظهر من كلّ يوم في مكتبه، ليخصّص بعد الظهر لزيارة المرضى في منازلهم أو في المستشفى، يبقى إلى جانب المواطنين، وهم قلّما يلجأون إلى مختار آخر في حالات الوفاة وغيرها. لهذا يسمّونه «مختار النهار والليل». يعرف الشاردة والواردة في كسروان، يأسف للكلام الذي يصدر في أوقات حسّاسة عن بعض الجهات الرسميّة، لا يحبّذ الكلام الطائفي، وينحني أمام المقاومين الذين روت دماؤهم أرض لبنان. برأيه، خلاص الوطن الوحيد «في تحديث النظام وإنشاء دولة علمانيّة، إقرار قانون انتخابيّ عصريّ يكون لبنان على أساسه دائرة انتخابيّة واحدة، إضافة الى خفض سنّ الاقتراع إلى سنّ الـ 18». عندها وحدها، يؤمن المختار أنّ «رؤساء الطوائف سيتنحّون ولن يعمدوا حينها الى تجييش الناس من خلال اللعب على الغرائز الطائفيّة. «هذا التغيير آت لا محالة، وقد بدأت ملامحه تظهر في الدول العربيّة، وها هي الأنظمة الديكتاتوريّة تنهار الواحد تلو الآخر» يقول، آملاً انهيار إسرائيل «إذا مش ع إيّامنا، ع إيّام ولادنا».