«الإرث الثقافي» سيطوّر المدينةندعو المواطنين إلى التحمّل
الاستجابة الأمنيّة لم تكن كافية

لا تطمع بلدية صور بالكثير، إذ يكتفي رئيسها حسن دبوق بالإعلان عن استمرار العمل في المشاريع المقرّة سلفاً من البلدية السابقة، وأهمها إنجاز مشروع الإرث الثقافي الذي يندرج ضمنه العديد من المشاريع ذات الأولوية بالنسبة إلى مدينة مدرجة على لائحة التراث العالمي
في الشكل، تغيّرت بلدية صور على الكثيرين. فباب المكتب المربع الذي كان يقابل الباب الرئيسي، لم يعد مفتوحاً دائماً خلال الدوام الرئيسي. أُغلق، ونُقلت محتوياته التي كانت تشغل مكتب الرئيس إلى غرفة داخلية. وعليه، لم يعد ممكناً لأيّ كان الدخول في أي وقت

لمقابلة الرئيس الجديد حسن دبوق لعرض شكواه أو طلب خدمة أو مراجعة. ويبرّر المعنيّون ذلك بالقول إنّه نوع من التنظيم وتوزيع الأدوار بين أعضاء البلدية كافة.
مع ذلك، فإن دبوق المنظّم في «حركة أمل» منذ صباه، موجود دائماً هنا وهناك. في البلدية وفي اتحاد البلديات وفي جولات ميدانية اجتماعية وتفقدية للأشغال الجارية في كلّ صوب من المدينة، ما يضطرّه إلى التزام متابعة شؤون البلدية وإهمال عمله الخاص مهندساً.
وحين يبتعد «الريّس» أحياناً عن الناس، يطغى حضور «معاونيه» الذي يجده البعض مزاحماً له. إلا أنه لا يتقبل هذا التحليل، ويؤكد أنه نتيجة طبيعية لعمل جماعي، وخصوصاً مع تفعيل دور الأعضاء الأحد والعشرين من خلال اللجان التي تتمتع بسلطة بتّ المشاريع والاقتراحات قبل عرضها على المجلس لإقرارها بموافقته. وهنا يؤكد دور حزب الله في القرار، من خلال رئاسة أعضائه للجان هامة، نافياً بذلك ما يشاع عن «دور تعطيلي» للبلدية التي تهيمن عليها «أمل» منذ عام 1998.
أما في مضمون التغييرات، فقد رفعت البلدية ضمنياً شعار الإصلاح والتنظيم في إشارة الى سلوك مزمن من «الفوضى والفساد اللذين كانا سائدين سابقاً»، بحسب البعض. شعار لا ينطلي على الجميع «طالما أن الجهة السياسية ذاتها لا تزال تؤثر في قرار البلدية الحالية كما سابقاتها» يقول البعض الآخر. فماذا يقول دبوق، وما هي المشاريع التي سينجزها؟ نبدأ الأسئلة من المشاريع التي كانت مدرجة على جدول أعمال البلدية السابقة.

كمهندس وعضو لجنة تصميم وتخطيط في البلدية السابقة، هل تسعى إلى إنجاز مخطط توجيهي للمدينة في عهدك؟
ـــ طبعاً. هذا أمر بوشر بتنفيذه، لا في مدينة صور وحسب بل في بلداتها أيضاً، بما أنها مركز القضاء وتعتمد اعتماداً رئيسياً على أبناء البلدات في حركتها. المخطط الشامل تنفذه وتموّله أطراف دولية بالتعاون مع جمعية إنماء القدرات في الريف، علماً بأن صور كانت من أوائل المدن التي تخططت استراتيجياً منذ أوائل الستينيات.

هناك حالة تأفف دائمة من فوضى الأشغال والحفريات المنتشرة في شوارع المدينة في وقت واحد؟
ـــ بالفعل، فإن الأشغال تتوزّع في شوارع عدة من المدينة وتسبّب زحمة سير وإزعاجاً أحياناً لبعض أصحاب المحال والمنازل التي تحاذيها. نحن نتفهم الانزعاج لأن هناك ثلاثة مشاريع ضخمة تنفذ حالياً في وقت واحد، هي: تغيير تخطيط الشوارع الداخلية، تأهيل ميناء الصيادين وتطويل السنسول وتأهيل السوق الشعبي في ساحة البوابة، وكلّها تندرج في إطار مشروع الإرث الثقافي. نحن ندعو المواطنين إلى التحمّل ريثما تنجز الأشغال ونحصل على مدينة متطورة ومريحة. وبالنسبة الى التخطيط، فإن كلّ المشاريع تنفذ وفق خطة منظمة، مع دراسة كلّ مرحلة مع ما سبقها وما يليها. فنحن لا يمكننا أن ننجز مثلاً ساحة البوابة كجزء من مشروع الإرث الثقافي ثم نحوّلها بعد فترة إلى ممر أو موقف للشاحنات التي توصل المواد اللازمة لإنجاز مشروع تأهيل ميناء الصيادين، وأخرّب ما قمنا به سابقاً.

هل تأمل إنجاز هذه المشاريع في عهدك، وخصوصاً أنك شهدت على تخطيطها وانطلاقتها في عهد البلدية السابقة؟
ـــ نحن نسعى إلى ذلك من باب تحسين المدينة، لا بدافع شخصي. وبعد إنجاز المرحلة الثانية من الإرث الثقافي وإنجاز مشروع تأهيل ميناء الصيادين، سننتقل إلى ورشة أشغال جديدة متعلقة بمشروع بناء محطة تكرير المياه المبتذلة في البقبوق شمالي صور، والتي أنجز جزء كبير من شبكاتها داخل المدينة.

البلدية السابقة قامت بإجراءات عدة لحلّ أزمة السير في المدينة، لكن الزحمة لم تنته. فما هي حلولكم؟
ـــ بالفعل، فقد استحدثنا سابقا عدداً من مواقف السيارات عند مدخل المدينة الشمالي في أكثر الشوارع اكتظاظاً، شارعي المصارف وساحة البوابة ومدخل السوق القديم. لكن ذلك لم يكن كافياً، فيما نحن ضد تحويل صور إلى موقف كبير للسيارات. أما الحلّ، فهو أولاً يتعلق بثقافة المواطنين. يستطيع المرء أن ينجز جولته في المدينة من أوّلها الى آخرها مشياً على الأقدام في دقائق، لكننا نجد مثلاً أصحاب المحالّ يتوجهون بسياراتهم إلى أعمالهم، يركنونها أمام المحل إلى جانب آلية أخرى تابعة له ويخصص مساحات أخرى لسيارات الزبائن. وعليه، فهو يشغل أكثر من عشرة أمتار أمام واجهة محله التي لا تتجاوز مساحتها أربعة امتار. لا بل إن هناك مواطنين يركنون سياراتهم في الشوارع الرئيسية لساعات طويلة، إلى حين انتهاء دوام عملهم الذي يكون أحياناً خارج صور. لذا المطلوب هو تعاون الجميع منعاً للاختناق والموت الاقتصادي الذي قد يصيب المدينة التي تقلّ قدرتها الاستيعابية عن حجم السيارات التي تدخلها يومياً والتي ستتضاعف بعد فترة. وما على المواطن فعله، أن يترك سيارته أمام منزله ويقصد مكان عمله أو حاجته إذا كان قريباً، مشياً على الأقدام. ومن هنا، عملنا على تعريض الأرصفة لتشجيع المشاة وتحويل السير باتجاه واحد، كجزء من مخطط الإرث الثقافي.

مقرّ بلديتكم هو طبقة واحدة بمكاتب قليلة وبإيجار سنوي كبير، أين أصبح مشروع بناء مبنى بلدي للمدينة والذي أثار جدلاً كبيراً؟
ـــ في العهد السابق، اخترنا قطعة أرض تقع عند أحد أطراف الحديقة العامة ووضعنا مخططاً إنشائياً. لكن ما حصل هو أننا كنا لا نزال ننتظر موافقة وزارة المال على تخصيص قطعة الأرض هذه التي تملكها. وسوف نعاود إرسال الطلب بعد تأليف الحكومة المرتقبة لمتابعته مع الوزير المكلف.
أما بخصوص الجدل الذي ترافق مع الإعلان عن المشروع، فكان سببه أن المبنى سيقتطع جزءاً من الحديقة من جهة، وسيبعد البلدية عن قلب المدينة، علماً بأننا غير قادرين على البناء في قلب المدينة في ظلّ ارتفاع أسعار العقارات. فضلاً عن أن وجودها في أحد الشوارع الرئيسية يزيد من زحمة السير.

هل تخطّطون للمساهمة في تطوير السياحة في صور المدرجة على لائحة التراث العالمي؟
ـــ بالطبع، وكل المشاريع الجاري تنفيذها حالياً تصب في خدمة السياح والزوار، ولا سيما الإرث الثقافي الذي خُصّصت المرحلة الثالثة منه لتطوير المواقع الأثرية وتأهيلها. لكننا نقرّ بأن عدد السياح ليس كافياً بالمقارنة مع قيمة المدينة الحضارية والتاريخية. والسبب يعود بالدرجة الأولى إلى الوضع الأمني الذي يمنع الكثيرين من زيارة صور. مع ذلك، المطلوب تعاون الجهات المعنية لتطوير مفهوم السياحة من اقتصارها على موقع أثري ومطعم، وارتقائها الى مفهوم السياحة الثقافية مع ربط آثار صور بباقي المواقع الأثرية في منطقتها مثل قلعتَيْ شمع وشقرا.

تواجه صور مخاطر مختلفة، بدءاً من الاعتداءات الإسرائيلية وصولاً الى الهزات والزلازل والتسونامي، فهل أنتم جاهزون لمواجهتها؟
ـــ التجربة خلال عدوان 2006 كانت ناجحة لناحية إيواء النازحين وتوزيع المساعدات وحفظ جثث الشهداء ودفنها. وبالنسبة إلى الآليات اللازمة لرفع الأنقاض وفتح الطرقات، فالبلدية تملك جزءاً منها بالتعاون مع أجهزة الدفاع المدني. ولتحسين مقومات مواجهة الكوارث الطبيعية والحروب، تتعاون البلدية مع هيئات المجتمع المدني والجيش اللبناني لوضع خطة شاملة.

في الأشهر الأخيرة، تحوّل الأمن في المدينة إلى همّ يوميّ للمواطنين بعد تزايد الحوادث. فماذا فعلتم لطمأنتهم؟
ـــ بعد تشكيل البلدية، قمنا بجولات عدة على المراجع الأمنية من قائد الجيش العماد جان قهوجي إلى رئيس قوى الأمن الداخلي اللواء أشرف ريفي وقائد منطقة الجنوب في قوى الأمن العميد منذر الأيوبي، بهدف الطلب منهم مؤازرتنا في ضبط الوضع الأمني عبر تكثيف الدوريات والتشدد في ضبط المخالفات. لكن ما حصل هو أننا اضطررنا بعد ذلك، كبلدية، إلى أن ننزل الى الشارع ونقوم بدوريات وما يعرف بـ«الليل الأمني» لمواجهة ظاهرة السكر في الأماكن العامة، ولا سيما على الكورنيش البحري و«تشفيط» السيارات والدراجات النارية التي تسبّب إزعاجاً كبيراً في أوقات متأخرة من الليل. كذلك بالنسبة إلى مواجهة الإشكالات الفردية التي كانت تحصل بوتيرة خمسة أيام في الاسبوع، وتطور إلى ضرب بالسكاكين. ولاحظنا أن الإجراءات التي اتخذت أدّت الى تقليص الظواهر الشاذة استناداً إلى نسبة «الضبوطات» والمخالفات المسجلة. فعلى سبيل المثال، نلاحظ تدنّياً في نسبة المخالفات التي نحرّرها في الليالي الأمنية بين أسبوع وآخر، إذ انخفضت من خمسة عشر ضبطاً إلى أربعة خلال أسبوعين. وإذ كنا على مشارف تطور الانفلات الى تشكيل عصابة مسلحة، تعاونّا سريعاً لتوقيف عناصرها في وقت مبكر ومنع حصول ظاهرة العصابات في صور.

ألستم تصادرون دور القوى الأمنية وتتخطّون صلاحياتكم البلدية من خلال هذا العمل؟
ـــ لا أحد يصادر دور أحد، لكننا لم نجد الاستجابة الكافية لناحية زيادة عديد العناصر الأمنية لمواكبة الوضع الأمني في المدينة. مع ذلك، فإن إجراءاتنا تنفذ بالتنسيق مع القوى الأمنية والقضائية في المنطقة، أي الجيش والدرك ورئيس المحكمة المدنية في صور. أما بالنسبة الى صلاحياتنا، فبالنظر الى قانون البلديات، نجد أنه لا يواكب التطور المطلوب بالمقارنة مع القوانين المماثلة في الدول الأخرى. لذا، وجدنا، كبلدية، أن أولويتنا ومسؤوليتنا هي مصلحة المواطنين وأمنهم، بغضّ النظر عن النص القانوني، لأنهم لا يطالبون أو يشتكون القوى الأخرى عن الانفلات، بل يطالبوننا نحن.



يوضح حسن دبوق أن بلدية صور لا تتحمّل مسؤولية الجدل الذي يثيره مشروع الإرث الثقافي بين المواطنين، بل الجهات المموّلة. ويقول «عقدنا جلسات نقاش عدة مع عدد من أصحاب المحال في السوق الشعبي وتوصلنا إلى حلول معهم، بعد شرح مفاهيم المشروع وإشعارهم بأن الأمر يعنيهم ويدرّ عليهم فوائد اقتصادية».