ينطلق المؤرّخ الأميركي غاريث بورتر من التحقيقات في تفجيري بوينس آيريس والخُبر الإرهابيّين ليؤكد أن هناك قواسم مشتركة بينهما وبين اغتيال الرئيس رفيق الحريري. يتحدث بورتر عن دلائل تشير إلى تورّط إسرائيل في اغتيال الحريري، مؤكّداً إمكان تلاعبها بمضمون الاتصالات الذي اعتُمد في التحقيق الدولي
أجراها: رضوان مرتضى

«إسرائيل متورّطة في اغتيال رئيس الوزراء الأسبق رفيق الحريري». العبارة تُوجز النتيجة التي خلص إليها المؤرخ الأميركي غاريث بورتر خلال حديثه لـ«الأخبار» عن خبايا تفجير السان جورج أثناء زيارته إلى لبنان على هامش المشاركة في ندوة في فندق البريستول عن وثائق ويكيليكس قبل مغادرته بيروت.

الخلاصة ليست الأولى من نوعها، فقد سبق أن تحدّث كُثر عن الاشتباه بإسرائيل في أن تكون ضالعة في عملية اغتيال رئيس الوزراء الأسبق، لكن الجديد في خلاصة بورتر مبني على تحليلات ركيزتها عملية مقارنة دقيقة بين مسار التحقيق الدولي في جريمة اغتيال الرئيس رفيق الحريري من جهة، ومسار تحقيقَين استقصائيّين عمل عليهما بورتر منذ أكثر من 15 سنة من جهة أخرى. فالصحافي الأميركي أجرى عدداً من التحقيقات الصحافية بشأن تفجير مركز ثقافي تابع للجالية اليهودية في بوينس آيريس عام 1994 أدّى إلى مقتل 85 شخصاً وجرح أكثر من 200 آخرين. فحينها اتُّهم ستة أشخاص بتنفيذ التفجير، خمسة منهم إيرانيون هم رئيس جهاز الاستخبارات الإيراني السابق علي فلاحيان، والملحق الثقافي السابق في الأرجنتين محسن رباني، والدبلوماسي السابق أحمد رضا أصغري، ورئيس الحرس الثوري الإيراني الأسبق محسن رضائي، والجنرال في الحرس الثوري أحمد فهيدي. أما السادس، فكان القائد العسكري لحزب الله الحاج عماد مغنية. والتحقيق الثاني أجراه بورتر في تفجير أبراج الخبر السكنية في قاعدة عسكرية أميركية في السعودية عام 1996، الذي ذهب ضحيته 17 عسكرياً أميركياً، اشتُبه كذلك بإيرانيين.
ينطلق بورتر من تحليل الأدلة التي اعتمد عليها التحقيق القضائي في التفجيرين المذكورين، ليخلص إلى القول إن أسبابهما سياسية محضة، لافتاً إلى أنه جرى استغلالهما وتوظيفهما للحصول على مكاسب سياسية. ففي ما يتعلّق بتفجير بيونس آيريس واستهداف مجمّع يهودي ثم اتّهام خمسة أشخاص إيرانيين وعماد مغنية بتنفيذ الهجوم، شرح بورتر أنّ معاهدة نووية كانت تربط الأرجنتين بإيران، حيث زوّدت الأولى الثانية بيورانيوم مخصّب لأكثر من مرّة رغم الضغوط الأميركية لوقف هذا التعاون وقطع العلاقات في ما بينهما. وأشار المؤرخ الأميركي إلى أن الولايات المتّحدة كانت تسعى إلى وقف هذا التعاون بأيّ طريقة، ويستدل على ذلك للقول بتوافر الحافز لديها لتدبير مكيدة ما واستغلالها لتوجيه أصابع الاتهام نحو إيران. يدعم بورتر نظريته بالاتّهام المتسرّع لمسؤولين إيرانيين بالضلوع في التفجير، مشيراً إلى أن المحققين آنذاك اعتمدوا على تحليل مضمون الاتصالات التي كانت بمثابة «الدليل القاطع» لإدانة المتّهمين في القضية، والقول إن هؤلاء هم من نفّذوا الهجوم، علماً بأنه كان ثمّة شاهدة وحيدة، هي زوجة شرطي أرجنتيني، ادّعت أنها شاهدت «باصاً يقوده رجل ذو ملامح شرق أوسطية».
هذه المعطيات يرى فيها المؤرخ الأميركي قاعدة يُعوّل عليها للخوض في مبررات اغتيال الرئيس الحريري والمسار الذي اتّبعه التحقيق. فبحسب بورتر، إذا لم يؤخذ بالاعتبار الجو السياسي الذي كان سائداً آنذاك، والخلاف بين الرئيس الحريري والنظام السوري، الذي يُعطي الحافز لأيّ كان لأن يُقدم على اغتيال الحريري لعلمه المسبّق بأن الاتهام سيوجّه فوراً نحو سوريا، فإن الركيزة الأساسية في التحقيق في جريمة اغتيال الحريري التي يمكن مقارنتها ببوينس آيريس هي «تحليل مضمون الاتصالات». وهنا بيت القصيد، إذ يستدل المؤرخ الأميركي على قول لعميل فدرالي أميركي يُدعى جوزيف برنازاني شارك في التحقيق في تفجيرات بوينس آيريس، عن إمكان إيجاد صلة بينه وبين أسامة بن لادن عبر المكالمات الهاتفية. فالعميل الفدرالي يحكي عن إمكان نسبة أي اتّصال إلى أي شخص في العالم دون أن يكون قد أجراه. وبذلك يخلص بورتر إلى اعتبار أن الكلام المذكور ينسف إمكان الأخذ بالاتصالات دليلاً إطلاقاً. من هنا، يرى المؤرخ الأميركي أن ذلك يفسّر سبب تركيز إسرائيل لعملائها في مرفق الاتصالات. ولو صحّ ما يُقال، فإن التحقيقات المبنية على تحليل الاتصالات تُعدّ بحكم الباطلة. وبذلك قد يستفيد العميد المتقاعد فايز كرم الموقوف بتهمة التعامل مع العدو، فتؤكّد أقواله لجهة نفي ما سيق ضده من اتهامات مبنية على الاتصالات، وفق المؤرخ الأميركي.
بورتر أشار كذلك إلى أن تحقيقات بوينس آيريس تحدّثت عن متورّطين في صفوف الشرطة سهّلوا تنفيذ التفجيرات. الأمر الذي رأى أنه مشابهٌ لما جرى في لبنان عبر اتّهام الضباط الأربعة الذين سُجنوا تعسّفاً نحو أربع سنوات، لكن اللافت في الأمر هو تأكيد ما ذكره تقرير الـ«سي بي سي» عن احتمال تورّط العقيد وسام الحسن. فقد أشار بورتر إلى الاشتباه بوجود علاقة ما للعقيد الحسن بالقضية، لافتاً إلى أنه يجب أن يُستجوب في جريمة اغتيال الرائد وسام عيد.
أما في ما يتعلّق بالقاسم المشترك بين تفجيري أبراج الخُبر والسان جورج، فيرى غاريث بورتر أن الجو السياسي العام هو المشترك. ففي تفجيرات الخُبر كان هناك اتّهام فوري لإيران بالضلوع في التفجيرات، وقد جرى استجواب أجانب وتعذيبهم لإثبات الاتهام وإدانة النظام الإيراني. ووفق بورتر، فإن ذلك قريب من حيث الشكل مما جرى في لبنان، فقد سيق اتّهامٌ أعمى نحو سوريا قبل أن يبدأ التحقيق والهدف كان الاستغلال السياسي وتحصيل مكتسبات سياسية.
يتحدّث المؤرخ الأميركي عن «قناعة راسخة» لديه بتورّط جهاز الاستخبارات الإسرائيلي الموساد والاستخبارات البريطانية في جريمة اغتيال رئيس الوزراء رفيق الحريري، لكنه لا يستبعد تورّط رجال أمن لبنانيين بطريقة أو بأخرى في تنفيذ الجريمة أو تسهيل وقوعها. ويضيف إلى القواسم المشتركة التي أتى على ذكرها لتقاربها مع تحقيقَي بوينس آيريس والخُبر، قاسماً أخيراً: فهو يرى أن هناك خيارات ثانية كان يمكن خوض التحقيق فيها، لكنها استُبعدت لأسباب سياسية.




غادر الصحافي الأميركي غاريث بورتر لبنان أمس عائداً إلى الولايات المتحدة الأميركية بعدما كان قد حضر للمشاركة في ندوة بعنوان: «المصدر المفتوح في عالم الإنترنت والأوراق الدبلوماسية الأميركية المسرّبة كمُعطى»، التي نظّمها المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات في فندق البريستول. وعلى هامش الندوة زار بورتر مكاتب «الأخبار» حيث أجرى هذه المقابلة. وبورتر مؤرخ وكاتب صحفي أميركي مستقل، متخصص في سياسة الأمن القومي الأميركي.