لو أجري إحصاء حول أكثر مواضيع حقوق الإنسان التي تُعقد لأجلها مؤتمرات وندوات في لبنان، لكان موضوع السجون حتماً أحد أكثر هذه المواضيع. فلا يكاد يمر أسبوع إلا يسمع اللبنانيون عن مؤتمر أو لقاء حول ما يعانيه السجناء داخل «رومية» وباقي السجون. وفي الآونة الأخيرة لقيت آفة المخدّرات داخل السجون، الآخذة بالانتشار، اهتماماً بارزاً من المسؤولين الرسميين وعدد من جمعيات المجتمع المدني. لكن رغم كل هذه الضجة التي تُثار حول ضرورة الإصلاح، لا يجد المتابع لأحوال السجون تطوّراً ملحوظاً، وبالتالي يصبح السؤال ملحّاً عن جدوى كل هذا الحراك.في هذا الإطار، علمت «الأخبار» أنه ضُبطت قبل يومين كمية كبيرة نسبياً من المخدرات داخل علب طعام عائدة للسجين أ.ص. (23 عاماً) نزيل القسم «د» المخصص للموقوفين في رومية. لم يكن الخبر جديداً من نوعه، إذ تُسجل حالات مماثلة باستمرار، لكن اللافت هذه المرّة كان في كمية المخدرات المضبوطة، وهي عبارة عن 4 آلاف حبة تقريباً من الحبوب المخدّرة، إضافة إلى كميّة من حشيشة الكيف. هكذا، يمكن من خلال ضبط هذه الكمية من الحبوب ملاحظة أن المخدرات لم تعد تدخل إلى السجون للاستعمال الشخصي فحسب، بل، على ما يبدو، بات بالإمكان الحديث عن ظاهرة «تجارة المخدرات» داخل السجون في لبنان. وممّا يؤيد هذا الاعتقاد، توقيف عدد من رجال قوى الأمن، الذين كانوا يعملون في حراسة سجن رومية، بعد انكشاف أمرهم أثناء إدخالهم المخدّرات إلى السجناء، وخصوصاً إلى بعض المحظيين منهم أو الذين يملكون ما يكفي من المال للإغراء بالرشى و«الهدايا».
من الحالات التي سُجلت في الأشهر الأخيرة، في قضايا المخدّرات، قصة السيّدة ف.ع. (60 عاماً) التي ضُبطت بحوزتها 4 آلاف حبة بيضاء صغيرة الحجم، تبيّن لاحقاً أنها حبوب للتخدير والهلوسة، وذلك أثناء سعيها لإدخالها إلى سجن رومية. أوقفت السيدة قبل أن تكمل «مهمتها» وسُلّمت إلى مكتب مكافحة المخدرات المركزي. هذه الحالة، وغيرها، علمت بها «الأخبار»، لكن من يعلم عدد الحالات التي لم يعلم بها أحد؟ هكذا، تصل كميات المخدرات إلى السجن ويتعاطاها السجناء، هؤلاء الذين يدخل بعضهم بتهمة تعاطي المخدرات ليخرجوا وهم تجّار وخبراء في هذه المواد، بل إن البعض يدخل إلى السجن بتهم لا علاقة لها بالمخدرات، مثل السرقة أو الاعتداء، ولا يخضع طوال فترة سجنه لأي برنامج إصلاحي، فينهي مدّة العقوبة ويخرج من المكان الذي دخله سارقاً، ليعود إلى المجتمع وهو سارق وتاجر مخدرات أيضاً.
من جهة ثانية، لا يرى رئيس جمعية «عدل ورحمة»، الأب هادي عيّا، أنّ حراس السجون «مُعَدّون لمهمة الإصلاح، فهم أنفسهم مساكين، والمسكين لا يمكنه مساعدة المسكين الآخر، بل إن الأمر يجب أن يناط بمجموعة مثقفين لديهم اكتفاء مادي بغية عدم التأثير عليهم بالرشى». ويلفت عيّا، رئيس الجمعية التي تعنى بأحوال السجون، إلى أن ظاهرة المخدرات داخل السجون موجودة في كل دول العالم، لكن «اللافت أننا في الآونة الأخيرة بدأنا نرى أكثر من الحبوب المخدّرة، مثل الحقن التي تستعمل في الهيرويين وسواه من المواد الخطرة، وهذا ما أنتج حالات مرضية معدية مثل السيدا وسواه».