ازدادت «شجرات» الغار في قرى جبل عامل وانقرض صابونه وزيته. فبعدما كانت تلك الصناعة هي الأساس في «اقتصاد» المنطقة، ها هي تغور يوماً بعد آخر، لتقتصر اليوم على قريتين فقط، عيتا الشعب وحولا. ويترافق هذا الأمر مع مفارقة أن الزيت والصابون باتا مطلوبين اليوم أكثر من أي وقت مضى «نظراً لندرتهما وفوائدهما المتعددة التي أكدها العلم الحديث»، كما يقول حسن مصطفى من بلدة حولا. يقول البعض إن الغار «ولّى» تاريخه، وهو الذي ارتبط بتاريخ الزيتون والزيت العتيق في المنطقة. عندما كان الصابون البلدي، قبل ظهور أدوات النظيف المصنعة، يستخدم بكثرة في مجمل بيوت المنطقة والجنوب، وخصوصاً في الاستحمام وغسل الأواني والتنظيف المنزلي، لكن، بالنسبة إلى البعض الآخر، لا يزال صابون الغار يفضّل على غيره لخلوّه من المواد الكيميائية والمركّبات الصناعية. فبعض ربات المنازل في حولا ينتظرن موسم شجر الغار لتحقيق بعض الأرباح التي يعتمدن عليها في معيشتهن. وهنا، تشرح فاطمة أيوب عملية القطاف وعصر الزيت، وتقول «نقطف حبات الغار ونطبخها على نار الحطب في وعاء معدني خاص، ومن ثم نصفّيها من الماء المغلي، ونعصرها في وعاء آخر، ونضع الزيت في آنية فخارية مطلية بالطين من الخارج». بعد ذلك «تُغلَق الجرّة بإحكام بالأعشاب أو بمصفاة وتقلب في حفرة داخلها وعاء من تنك، ويوضع العشب اليابس حولها ليحرق وينساب الزيت الطبيعي المصفّى من الجرّة الى الوعاء في أسفل الحفرة».
وفي عيتا الشعب، ثمة من يحاول أيضاً الحفاظ على تلك الصناعة. لكن، ما يختلف عن حولا أن بعض الجمعيات، ومنها «صامدون»، عمدت إلى تأمين المعدات اللازمة للنسوة لتطوير هذه الصناعة. وفي هذا الإطار، تقول زهرة سرور «حصلنا على معدات مميزة لصناعة صابون الغار، من بينها قوالب خاصة وطناجر، إضافة إلى طابع محفور عليه اسم صابون عيتا الشعب، كما تعهد الداعمون تسويق الانتاج في لبنان وخارجه بأسعار تشجيعية ومدعومة، وخصصوا مساحة ثابتة في سوق الطيّب في صيدا لعرض الصابون المصنّع هناك». وإن كانت تربة عيتا هي الوحيدة في الجنوب التي تنبت فيها شجرة الغار، إلا أن الحرب الأخيرة فعلت فعلها بها، فقضت على بعضها وحاصرت بعضها الآخر بالقنابل العنقودية.
والأسعار؟ تقول سرور ان «ثمن تنكة زيت الغار 40 ألف ليرة، واذا تم تحويلها إلى صابون يصل إلى 50 أو 60 ألف ليرة». تعود صناعة الغار في عيتا إلى منتصف القرن الماضي. وتروي بعض النسوة أنهن تعلمن هذه الصناعة من اللاجئات الفلسطينيات من أبناء نابلس اللواتي حملن معهن، إثر نكبة عام 1948، بعض الصابون النابلسي الذي صنعنه بأنفسهن.