بدأت المقالات في المجلات الغربية تصدر حول اهتمام الشعب السوري بآثاره، والخطر المحدق بها بسبب الحرب القائمة. وفي حين كانت التعليقات سابقاً تهتم بمصير الآثار السورية، بدأ يلاحظ تغير في المنطق المعتمد، فعادت الاسئلة القديمة ــــ الجديدة الى الظهور: فعادت الى الظهور «اغنية»: اليس من الافضل ان تبقى القطع الاثرية في كبرى المتاحف في العالم، حيث هي بأمان، على أن تبقى في دول لا تعرف الاستقرار؟
او الدعوة الى «انشاء منظمة دولية لها جناح عسكري يتدخل في حال الحروب للمحافظة على المواقع الاثرية والمتاحف». وقد بدأ التساؤل عن قدرة الشعب السوري على الاهتمام بالكنوز التي تختزنها ارضه، وعن معرفته الحقيقية بأهميتها... وعادت المقارنة بين العراق وسوريا التي استغلها بعض الكتاب للتأكيد بأن سرقة متحف بغداد أخذت البعد الذي وصلت اليه كجزء من الحرب على اميركا لتحميلها مسؤولية الفعل البشع، في حين ان صانعيه هم عراقيون!
وتتابع المقالات والمنشورات التي يكمن مغزاها في ان الشعب العربي لا يعرف اهمية تراثه وتاريخه والحضارات التي مرت عليه. الحديث العنصري نفسه منذ اكثر من 150 سنة! وبدأت التعليقات حول الحركات الاسلامية ورفضها للحضارات القديمة وكيف انها تهدد المعالم الاثرية... كل هذه التكهنات تصدح في العالم الغربي الذي يريد ان «يبيض» صورته ويبرر عملية شراء الآثار واختزانها وعرضها في متاحف لا تمت لتاريخ هذه القطع بصلة.
من المؤكد ان سرقة الآثار تزداد في فترات الحروب، كما هو مؤكد أن من يسرق الآثار هم سكان الدول، لذا فصورتهم تزداد سواداً في الاعلام حينما يبرزون بوجه المدمر لحضارته. فها هو العربي المعتمر الكوفية يبرز في الصور الآن وهو يبحث عن الآثار مدمراً الحضارات القديمة. هذا هو الواقع الحزين، الشعوب تسرق حضاراتها. ولكن الفرق يكمن في اسباب السرقة وهل هي اقتصادية؟ ففي فترات الصراع وحينما تنهار النظم الاقتصادية للدول، يجد الفلاحون انفسهم من دون اي دخل يذكر، وامامهم موقع اثري يعرفون انه يختزن في ارضه قطعاً قديمة يدفع ثمنها التجار نقداً وعداً... فماذا يفعلون؟ يقبعون في فقرهم ام يبحثون عن الآثار لقيمتها المادية؟ في فترات تصبح فيها حياة الانسان بخسة، هل يعقل ان يحاكم من يبحث عن لقمة عيش؟ المشكلة ليست في سرقة الآثار إنما في سوقها. فلو لم يكن هناك شار لم هناك سارق. فمافيات الآثار تستغل فترات الصراع لتزيد الطلب على القطع الاثرية وتدفع مبالغ باهظة مقابلها في خلال الاشهر الاولى للصراع. فتخلق بهذه الطريقة لدى الشعوب المتحاربة شعوراً بأن مالاً وفيراً مؤمن فيما لو نهبت المواقع الاثرية. وحالما تبدأ القطع بالظهور في الاسواق تبدأ الاسعار بالانخفاض. شقت الطريق، تعوّد ابناء القرى على سرقة الآثار وكسب المال منها، وبدأت عملية النهب، ولم يبق على التجار إلا البحث على افضل القطع لاختيارها... سرقة الآثار تشبه الادمان، والفرق ان من يحاكم فيها هو المدمن وليس المهرب!